تلعب البيئة الاجتماعية المحيطة بالطفل دورًا جوهريًا في إعداده للحياة المجتمعية من خلال تزويده بالقيم والاتجاهات الاجتماعية، إضافة إلى المهارات والمعارف التي تعزز توافقه الإيجابي مع المجتمع. التنشئة الاجتماعية هي العملية التي يسعى من خلالها الآباء إلى إكساب أبنائهم أنماطًا سلوكية وقيمًا ومعتقدات تتماشى مع ثقافة المجتمع وتقبله، مما يعزز اندماجهم فيه. تعتبر الأسرة الوحدة الاجتماعية الأساسية التي ينشأ فيها الطفل ويتفاعل مع أفرادها، حيث تؤثر بشكل عميق على تطور شخصيته الاجتماعية والثقافية، مما يجعلها المسؤولة الأولى عن تكوينه الاجتماعي والثقافي.
تختلف أساليب المعاملة داخل الأسر؛ حيث تعتمد بعض العائلات نهجًا يقوم على الحوار المتبادل مع الطفل، مما يسمح له بالتعبير عن نفسه بحرية مع الأخذ بعين الاعتبار آرائه ومشاعره، دون الانقياد لرغباته بشكل كامل، بل بمشاركته في القرارات المتعلقة به. في المقابل، تتبع أسر أخرى نهجًا سلطويًا يعتمد على القمع والقسوة، مما يؤدي إما إلى خضوع الطفل لما يُفرض عليه مع انطفاء روح المبادرة لديه، أو إلى تمرده واعتراضه المستمر، مما يترك آثارًا سلبية قد تستمر طويلاً في شخصيته.
تتأثر سلوكيات الآباء بعوامل عدة، مثل مستويات الضغط العالي أو العيش تحت خط الفقر، مما قد يدفعهم إلى ممارسات غير مفيدة تجاه أبنائهم، وقد تصل إلى إساءة المعاملة. تؤدي هذه المعاملة المستمرة إلى نتائج خطيرة، مثل السلوك العدواني وضعف الأداء الدراسي، بالإضافة إلى ارتباطها لاحقًا بالسلوكيات العنيفة والإجرامية خلال مرحلتي المراهقة والبلوغ.