«إنّ عدد ضحايا الجوع وسوء التغذية والأمراض المقترنة بهما (في قطاع غزّة)، وبخاصّة للأطفال، قد يفوق على المدى الطويل عددَ الذين قُتلوا على نحوٍ مباشر بسبب الهجوم الإسرائيلي على القطاع».
قدّم «المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان» تحليلًا للوضع الغذائي الكارثي في قطاع غزّة ومؤشّرات بداية انتشار المجاعة، خصوصًا في المحافظات الشمالية، وذلك في ورقة سياسات بعنوان «قطاع غزة: مسرحًا لإبادة جماعية منذ السابع من أكتوبر ومنطقة مجاعة محتملة في السابع من فبراير». وقد استندت الورقة بشكل أساسي إلى تقارير أصدرتها جهاتٌ دوليّة مختصّة، وعلى رأسها المبادرة العالمية الخاصة بـ«التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي» (IPC)، والتي أصبح تصنيفُها المكوّن من خمس مراحل هو المعيار الدولي لتصنيف حالات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في السياقات الإنسانية.
وعرض المرصد الظروف المعيشية المأساوية التي يقاسيها سكّان القطاع وأطفاله، تحديدًا في المحافظات الشمالية، موضحًا «الهجمات الإسرائيلية الجوية والبحرية والعمليات البرية الإسرائيلية تسبّبت في عزل المحافظات الشمالية وساكنيها الباقين هناك، الذين يتراوح عددهم ما بين 400 و500 ألف شخص». وأشار إلى أنّ «85% من سكّان القطاع أصبحوا نازحين داخليين، يتركّزون في أماكن بلا خدمات وليست أكثر أمنًا أو أقلّ عزلاً، وفي مناطق تصغر مساحتُها الجغرافية غارةً بعد غارة، ويزداد قربُها من الحدود الجنوبية يومًا بعد يوم».
وبالاستناد إلى تقرير فريق التحليل الخاصّ بالمبادرة العالمية «للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائيّ» IPC، يتبيّن أنّ جميع سكان قطاع غزة يعانون بأكملهم، أي بنسبة 100%، من انعدام الأمن الغذائي الحادّ الشديد (المرحلة الثالثة وما فوق في التصنيف المرحلي المتكامل) وأنّهم بحاجة إلى إجراءات ومساعدات إنسانية عاجلة للحفاظ على الحياة. وبحسب تقرير المبادرة العالميّة، هذا يمثّل أعلى نسبة من السكان الذين يواجهون مستوياتٍ عالية من عدم الاستقرار الغذائيّ الحادّ التي كانت قيّمتها المبادرة على الإطلاق لأيّ منطقة أو بلد منذ إنشائها عام 2004.
وبحسب تقرير المبادرة، بين فترة 8 كانون الأول/ ديسمبر 2023 و7 شباط/ فبراير 2024، سيكون 26% من سكان القطاع في مرحلة المجاعة (المرحلة الخامسة والأخيرة) ويعانون من الحالة القصوى من حرمان الغذاء، وظهور واضح للجوع الشديد ومستويات حادّة جدًّا من سوء التغذية الحادّة وازدياد في حالات الوفاة الناتجة عن الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة بهما.
ووفق تقرير IPC، فإنّ أربع من كلّ خمس أسر في المحافظات الشمالية ونصف الأسر النازحة في المحافظات الجنوبية تقضي أيّامًا وليالٍ كاملة من دون تناول الطعام، وأنّ العديد من البالغين يعانون من الجوع كي يتمكّن الأطفال من الأكل.
وتشير ورقة سياسات «المرصد الأورومتوسطي» إلى أنّ «لجنة استعراض المجاعة» FRC توصّلت إلى أنّ نتائج تقرير IPC معقولة، وذلك بعد مراجعته. كما توصّلت إلى أنّ عتبة المجاعة (المرحلة الخامسة) لسوء الأمان الغذائي الحادّ قد تمّ تجاوزها بالفعل، وأنه من المرجّح أن يكون حجم انتشار المجاعة بين مجمل السكان في القطاع أعلى من النسب المذكورة.
وكشفت الورقة أنّ معدّل ما يُسمح بدخوله إلى القطاع من مساعداتٍ إنسانية يتراوح بين 70 إلى 100 شاحنة، اثنتان منها فقط إلى المحافظات الشمالية، التي ما زال يقطنها حوالي نصف مليون نسمة، نصفهم على الأقلّ من الأطفال. وقد انتشرت مقاطع لأطفالٍ في الشمال يبحثون عن العشب للأكل، كما أعلنت وزارة الصحّة في غزّة أنّ سكّان الشمال لا يستطيعون حتى العثور على العلف الخاصّ بالحيوانات كي يأكلونه. يأتي هذا في وقتٍ أظهرت مقاطع فيديو نشرها قنّاصةٌ من الجيش الإسرائيلي استهدافَهم للماشية في المناطق الشمالية.
إلى ذلك، دعا «المرصد» الدولَ إلى التحرّك فورًا قبل فوات الأوان، موضحًا أنّ ذلك يبدأ عبر احترام الالتزامات الدولية التي تقع على عاتق جميع الدول بوقف ومنع جريمة الإبادة الجماعية في القطاع باعتبارها الجذر الأساس لوقوع المجاعة. كما دعا إلى استئناف تمويل وكالة «الأونروا» فورًا باعتبارها الوكالة الدولية الرئيسية المسؤولة حاليًّا عن إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها في القطاع.
وتوجّه «المرصد» إلى مؤسسات الأمم المتحدة المختصّة وآليّات «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي» IPC داعيًا إيّاها إلى «العمل في الوقت الراهن على تعزيز عمل آليّات الرصد والتقييم للأزمة الغذائية، بما يشمل تتبّع مؤشّرات التسارع في تدهور الأزمة الغذائية وانتشار المجاعة، وتوثيق البيانات وتقديم التحليلات المستندة إلى نظام التصنيف المرحليّ. والأهمّ، تقديم تقريرها الثاني بأسرع وقت تتناول فيه تقييمًا محدّثًا للأزمة الغذائيّة وتحليلًا مستجدًّا لمؤشّرات المجاعة، والعمل والتنسيق مع كافّة الجهات من أجل إعلان حالة المجاعة وتوجيه انتباه العالم إلى الوضع الإنساني في القطاع».
كما طالب المؤسسات الدولية والأممية بتعزيز العمل في تقديم المساعدات الإنسانية الفورية لسكّان القطاع، والاستمرار والضغط لتسهيل وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن من دون عوائق إلى جميع أنحاء القطاع. ودعا تلك المؤسسات إلى التركيز على والمطالبة بوقف إطلاق النار، الذي من دونه لا يمكن الحديث عن بيئة فعليّة ملائمة لتقديم المساعدات الإنسانية والبدء في استعادة تقديم الخدمات الأساسية.