وثّق «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» OCHA التهجيرَ القسريّ لحوالي 4 آلاف فلسطينيّ خلال 2023 في الضفة الغربية المحتلّة، بما فيها القدس الشرقية. وتُعتبر هذه الحصيلة الأعلى على الإطلاق سجّلها المكتب خلال عامٍ واحدٍ منذ 2009.
47% من هؤلاء أطفال. والأرقامُ تأتي في سياق استمرار سياسات العنف الإسرائيلي الممارسة ضدّ فلسطينيّي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وأطفالِهم منذ عقود. الحديث هنا عن تهجيرهم القسريّ وهدم منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم وأراضيهم، منها الزراعيّة والمراعي، وتوسيع بناء المستوطنات وشقّ طرقاتٍ التفافيّة مخصّصة للمستوطنين وإقامة الحواجز، والتمييز الممنهج والمقونَن ضدّ الفلسطينيّين واقتحام منازلهم وتفتيشهم واعتقال بعضهم بشكل تعسّفي، ومنهم أطفال. ويتعمّد جيش الاحتلال اتّباع سياسة اقتحام البيوت خلال فترتَي ما بعد منتصف الليل والفجر وإيقاظ أهل المنزل وترويع الأطفال. ويوثّق «مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة» (بتسيلم) بشكلٍ دائمٍ سياسات اقتحام المنازل واعتقال أهل وأطفال فلسطينيين، أحيانًا لالتقاط صور أو بهدف جرّهم إلى مراكز الاعتقال لمجرّد دعوى رمي طفل للحجارة.
الأطفال وعنف المستوطنين
وفق أرقام OCHA، شكّل عنفُ المستوطنين في الضفة الغربية المحتلّة والقيودُ المفروضة على تنقّلات الفلسطينيين والحدّ من وصولهم إلى أراضيهم الزراعية وأراضي الرعي السببَ الأساسي لتهجير الفلسطينيّين خلال العام الماضي. 756 طفلاً من أصل 1539 فلسطينيًّا على الأقلّ تهجّروا لهذا السبب، مقارنةً بـ774 فلسطينيًّا خلال عام 2022، أي حوالي الضعف. 81% من مهجّري العام الماضي تركوا منازلهم عقب 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وسط زيادة كبيرة في أعمال العنف التي يرتكبوها المستوطنون الإسرائيليون الذين ارتفعت نسبة تسليحهم بشكل كبير بعد حصولهم على تراخيص رسميّة. تشمل أعمال العنف الاعتداءات الجسدية والتهديد بالقتل واقتحام المنازل ليلاً وضرب الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم وسرقتها وترويع الأطفال، وهذا يتمّ على يد مستوطنين مسلّحين بعضُهم يرتدي زيّ جيش الاحتياط وبعضهم يغطّي وجهه. وبحسب OCHA، كان معظم النازحين في محافظات رام الله ونابلس والخليل، وقد تمّ تهجير ما لا يقلّ عن 14 مجتمعًا فلسطينيًّا بشكلٍ كامل خلال العام الماضي. وأشار المكتب إلى أنّ القوّات الإسرائيلية هدمت في بعض هذه التجمّعات المباني المتبقّية، بما فيها مدرستان على الأقلّ.
بالإضافة إلى ما سبق، وثّق «بتسيلم» اعتداءاتٍ لمستوطنين مسلّحين بتغطية مباشرةٍ من جيش الاحتلال أو بمساعدةٍ مباشرةٍ منه أدّت إلى تهجيرٍ قسريّ لتجمّعاتٍ وعائلاتٍ بأكملها معزولة في المنطقة ج بالضفّة بُعيد 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر، أو لقسمٍ من تلك العائلات. طالت هذه التهجيرات 22 تجمّعًا، أي 162 عائلة تضمّ 403 قاصرين وأطفال. ومن الاعتداءات الموثّقة إحراقُ المستوطنين لمبانٍ سكنيّة وتحطيم نوافذ وتدمير وسرقة الممتلكات، وإغلاق الطّرقات أمام التجمّعات السكنية، والهجوم على المركبات الفلسطينية، ومنع وصول صهاريج المياه إلى الأمكنة التي تسكنها عائلات أو إلى مناطقها الزراعية وأماكن الرّعي، وتدمير منشآت زراعية وحظائر أغنام وتجريف أراضٍ زراعيّة وسرقة مواشي بعد الاعتداء بالضرب على أصحابها، وكذلك إطلاق النار على المواشي ما أدّى إلى إصابة بعضها. ناهيك عن إفراغ خزّانات مياه، وسرقة ألواح شمسيّة وأكياس زيتون ومعدّات زراعيّة وحرق مبانٍ زراعيّة، وقطع أنابيب المياه عن المنازل وكذلك كابلات الكهرباء. بالإضافة إلى إعلان أراضٍ زراعية وبساتين زيتون مناطقَ عسكرية مغلقة (وهذه سياسة متّبعة منذ زمن). إنّ هذه الاعتداءات وغيرها على العائلات وأطفالها ليست وليدة اليوم، لكنّ ارتفاع وتيرة العنف على يد المتسوطنين المسلّحين والجيش الإسرائيلي بُعيد اندلاع الحرب الحاليّة أدّى بشكلٍ كبيرٍ إلى ارتفاع نسبة المهجّرين قسرًا، ومنهم أطفال.
«تهجير الأطفال عقابًا»
إنّ ثاني أسباب تهجير أعلى نسبة من الأطفال في الضفة هو هدم قوّات الاحتلال الإسرائيلي لمنازلهم أو إجبار ذويهم على هدمها بحجّة عدم حصولهم على تصاريح بناء إسرائيلية. العام الماضي، هدمت قوّات الاحتلال حوالي 214 منزلاً، ما خلّف 1152 فلسطينيًّا بلا مأوى، من بينهم 575 طفلاً. يأتي هذا في وقتٍ من شبه المستحيل أن يحصل فلسطينيّو الضفة على تصاريح بناء في ظلّ التخطيط الإسرائيلي وقوانين التصاريح التمييزية. في المنطقة ج مثلاً، التي تقع تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، لا يمكن للفلسطينيين البناء من دون تصاريحٍ من الجيش، والتي نادرًا ما تتمّ الموافقة عليها، لذا يلجأ الكثيرون إلى البناء «غير القانوني».
أمّا بقيّة الأبنية المهدّمة تحت حجّة عدم الحصول على تصريحات بناء، والبالغ عددها 681، فلم تكن مأهولة بالسكّان لكنّ تدميرها أدّى في كثيرٍ من الأحيان إلى تقويض سُبل عيش الناس أو حصولهم على الخدمات. وكان حوالي 106 من المباني المهدّمة قدّمها مانحون كمساعداتٍ إنسانية بشكلٍ رئيسيّ استجابةً لعمليّات الهدم السابقة، وشملت هذه 14 مبنًى سكنيًّا.
يتأثّر تهجير الأطفال كذلك بالعمليات العسكرية الإسرائيلية. وقد وثّق OCHA العام الماضي تدمير 222 مبنى بسبب عمليات الهدم والتدمير خلال العمليات التي نفّذتها قوّات الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا في المنطقة (أ). أدّت هذه الاعتداءات إلى تهجير 921 فلسطينيًّا من بينهم 394 طفلاً. ويمثّل هؤلاء 40% من جميع الفلسطينيين الذين هُدمت منازلهم عام 2023 في جميع أنحاء الضفة الغربية، وفقًا لـOCHA. وقد أوضح الأخير أنّ القوّات الإسرائيلية جرفت خلال هذه العمليّات الطرق ممّا أدّى إلى إتلاف شبكات مياه الصرف الصحّي داخل تلك المناطق مخلّفًا أثرًا كبيرًا على مئات آلاف الفلسطينيين والعائلات والأطفال.
خلال العام الماضي كذلك، هجّرت سلطات الاحتلال 173 فلسطينيًّا، من بينهم 70 طفلاً، بعد هدم 37 منزلاً وإحدى المباني الزراعية كآليّة «عقاب» كونهم عائلات لفلسطينيّين تزعم سلطات الاحتلال أنهم مسؤولون عن هجماتٍ استهدفت إسرائيليين خلال 2022 و2023. وبحسب OCHA، يشكّل هذا الرقم ضعف ما كان عليه عام 2022 (71 شخصًا).
إنّ عمليّات الهدم هذه، التي تعتمدها إسرائيل منذ عقود وارتفعت وتيرتُها خلال الفترة الأخيرة، تُعتبر انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، فهي شكل من أشكال العقاب الجماعي المحظورة، كما أنّها قد ترقى إلى مستوى الترحيل القسري.
2024.. الأعنف في الضفة
منذ مطلع العام الحاليّ، وفي سياق استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، ما زالت وتيرة عمليات تهجير عائلات الضفة وأطفالها متصاعدة متفوّقةً على كلّ السنوات السابقة. وفق OCHA، هَجّر الاحتلالُ الإسرائيلي منذ مطلع العام الحاليّ حوالي 560 فلسطينيًّا في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بسبب هدم منازلهم. من بين هؤلاء 212 طفلاً. وقد هُجّر أكثر من نصف العدد الإجمالي خلال عمليّات القوات الإسرائيلية، وهُجّر 90% منهم أثناء العمليات التي شهدتها مخيّمات اللاجئين في محاظتَي طولكرم وجنين.
يأتي هذا في وقتٍ يستمرّ القتل والاعتقال والتوقيف التعسّفي بحقّ أهل الضفة وأطفالها. وبينما كانت منظمة «أنقِذوا الأطفال» قد وثّقت استشهاد 34 طفلاً في الضفة الغربية خلال عام 2022. اثنان وثلاثون منهم على يد الجيش الإسرائيلي، وطفل على يد مستوطن، وآخر على يد مستوطن وعنصر في الجيش الإسرائيلي معًا، فإنّ هذا العدد قد تضاعف بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الحاليّة بعد استشهاد ما يفوق عن 400 فلسطيني قسمٌ كبيرٌ منهم أطفال. ناهيك عن الاعتقالات التي بلغت 7920 شخصًا، حتى مطلع نيسان/ أبريل، وفق «نادي الأسير الفلسطيني»، بينهم أطفال ويحاكمون في محاكم عسكريّة.