وتنطلق هذه الدراسة من إطار نظري متعدد المداخل، حيث تعتمد على مناح نظرية متعددة ومتنوعة تستمد قوتها من منطلقات العلوم إلانسانية المختلفة وخاصة علم النفس والاجتماع والتربية، إذ وضعت الدراسة عددا من المقومات ألاساسية والضرورية لرسم ملامح ومضامني ينبغي وضعها في الاعتبار عند بناء نموذج عربي موحد وجديد للتنشئة مبني على واقع فعلى للسياق الثقافي والاجتماعي والسياسي المرتبط بالتنشئة في البلدان العربية، بحيث يكون نموذجًا عربياً خالصا،ً من منطلق أساسي يتمثل في أن التنشئة تعد الوسيط الرئيسي في بناء شخصية الفرد والحضارة التي ينتمي إليها، وأن شخصية الفرد تتكون ضمن الأسرة والمؤسسات الاجتماعية ألاخرى، وأن قيم وأمناط السلوك تنتقل إلى حد بعيد من خلالها وتقوى بواسطتها، فالعوامل التي تؤثر في تكوين شخصية الطفل هي عوامل تتصل بالسياق الاجتماعي الثقافي الذي ينشأ فيه الطفل في المقام ألاول، فالمجتمع بما يحتويه من قيم، وعادات، ونظم اجتماعية، وعالقات إنسانية، ومهارات وآراء وأفكار، هو المجال الذي يتفاعل فيه ذلك الكائن إلانساني الناشىء، فينمو تدريجياً وتتشكل شخصيته شيئاً فشيئا، حيث تتجلى التنشئة من خلال دور رئيس في إطارها الثقافى، إذ تعد واحدة من روافد الثقافة الرئيسة، وتستمد دورها من فلسفة وأهداف املجتمع، وبذلك تصبح عملية التنشئة مبؤسساتها المختلفة هي المسئولة عن إعداد الطفل بما يتواءم مع متطلبات المستقبل ومواجهه تحديات العوملة، فالبشر بطبيعتهم كائنات وراثية ثقافية، ونتيجة لانهم "مبرمجون للتعلم" يعيشون ويختبرون، ويتعرضون إلى الخبرات الناجمة عن العالقة بني ما يرثونه وما يكتسبونه، فالبشر ليسوا الطبيعة وحدها
6 التنشئة الاجتماعية للأطفال في البلدان العربية
تشكيل الثقافة والتعليم وإعمال الفكر فحسب. وهكذا فإن النمو ميثل خبرة تتأثر بالوراثة البيولوجية، والظروف النفسية والثقافية مثلما يتأثر بالتاريخ والتعليم والسياسة والجماليات وألاخالق، ومن خلال النمو في إطاره التكاملي يتحقق ذلك النمو المتكامل والمتناغم الذي ينبغي أن نطمح إلى بلوغه، مثلما علينا أن نطمح إلى أن ينمو الطفل منوا بدنيا سويا، وأن ينمو عاطفيا بصورة متزنة، وأن ينمو فكريا من خلال المشاركة في الممارسات التعليمية كميا وكيفيا، من خلال ما تتيحه المؤسسات التعليمية، وأن ينمو بذوق طيب حيال العالم الذي يعيش فيه، كما علينا أن نطمح أيضا إلى أن ينمو في سياق من الاحترام المتبادل من أجل التغلب على جميع العقبات التي حولت دون النمو المتكامل لملايين البشر المنتشرين في البقاع التي ينقسم إليها عاملنا. ومن هنا تتطلب التحديات العاملية المطروحة على المجتمعات العربية اليوم، والمترابطة فيما بينها، استجابة عميقة وفاعلة، فالفرص والمخاطر التي نواجهها تدعو إلى ضرورة إحداث تغيير منوذجي لا يمكن ترسيخه الا من خلال عملية تنشئة مستنيرة تمكن ألاطفال من المهارات والمعارف التي تمنحهم القدرة على اتخاذ القرارات التي تضمن التنمية المستدامة لصالح ألاجيال الاحلالية والمقبلة، وتحترم التنوع إلانساني، وعلى ذلك يكون من شأن هذا النموذج إحداث تغيير في عالقات التنشئة الاجتماعية في ألاسرة وفي المدرسة تغييراً جذريا،ً لإنتاج شخصيات اجتماعية جديدة تعتمد في عالقاتها مع الاخرين على التعاون والمساواة، لا على السيطرة والخضوع، ومن هنا يبدأ بناء مجتمع حر مستقل
تسوده العدالة والحرية. ويقتضي تحقيق هذه الرؤية في نموذج التنشئة الذي يتبناه المجلس، الالتزام بتوفير "دعائم التربية ألاربعة" التي أعلنتها منظمة اليونسكو وهي:
- التعلّم من أجل المعرفة".
- "التعلّم من أجل العمل".
- "التعلّم من أجل البقاء".
- "التعلّم من أجل العيش معاً".
ويتضمن التعلم من أجل العيش معا تنمية فهم الاخر وإدراك أوجه التكافل بني البشر في ظل احترام التعددية والتفاهم والسالم والتنوع الثقافي، وهو ما يعرف بـــ "التعليم والتعلم من أجل المواطنة" أو بالأحرى "التنشئة على المواطنة".
7 التنشئة الاجتامعية لألطفال في البلدان العربية
ولقد اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي المقارن في رصد وتحليل طبيعة التنشئة الاجتماعية وكل من سياقها الثقافي والاجتماعي، وأساليبها، وآلياتها، وتحدياتها وانعكاساتها، كما اعتمدت على أساليب كمية وكيفية متنوعة، فعلى مستوى الأساليب الكمية اعتمد البحث على استبيانين إحداهما تم تقدميه للوالدين، والآخر للأطفال، وقد ركزت الاستبيانات على عدد من الحمور من بينها السياق االجتماعي الثقافي للتنشئة، وأساليب التنشئة (السلبية والايجابية)، وانعكاسات التنشئة على سلوك الأبناء في شكل مخرجات للتنشئة. أما على مستوى الأساليب الكيفية، فقد تنوعت هذه الأساليب ما بني سرديات التنشئة والمقابالت المفتوحة والمناقشات البؤرية. وعلى الرغم من استخدام بعض الدراسات لألساليب الكيفية (المقابلات المفتوحة والمناقشات البؤرية)، الا أن سرديات التنشئة تعد من الأساليب غير الشائعة في البحوث الميدانية المتعلقة بالتنشئة، وبإلاضافة إلى ذلك اعتمدت الدراسة على أساليب إحصائية متقدمة عند تحليل النتائج الكمية، فلم يكتف بالمتوسطات والنسب المئوية والتكرارات بل اعتمد على تحليل التباين (ANOVA)لقياس دلالة الفروق بين أساليب التنشئة داخل الأسرة والمدرسة في ضوء المتغيرات التي يمكن أن تسهم في تباين هذه الأساليب: وهي متغيرات الدولة، والنوع الاجتماعي للوالدين، والنوع الاجتماعي لألبناء، والمستوى التعليمي للأب والأم، وعمر الوالدين، والمرحلة الدراسية للأبناء(التعليم الأساسي، والتعليم الثانوي)، ونوع التعليم الذي يتلقاه الأطفال. وكان لإجراء الدراسة في عدد من البلدان العربية)ستة بلدان عربية هي: مصر، السعودية، العراق، السودان، تونس، ولبنان(تمثل بلدان ذات سياقات ثقافية واجتماعية متنوعة أثره في قياس التشابه والاختلاف في أساليب التنشئة المستخدمة بهدف التوصل إلى نموذج عربي موحد، من خلال بناء فكري وتصور تطبيقى عملى يرتبط بالواقع لتحقيق مجموعة الأهداف التي يمكن على أساسها قياس النجاح وتقومي الإنجاز. والمجلس العربي للطفولة والتنمية يدعو كل الشركاء والمعنين بالتكاتف والعمل معاً من أجل تنشئة اجتماعية للطفل العربي، بما يضمن جتديد طاقات للأطفال الكامنة نحو المساهمة في بناء مجتمع عربي جديد - مجتمع المعرفة والتنمية الشاملة والمواطنة.