نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

أطفال السودان في قلب المجاعة والموت

والجوع يُمكن تفاديه

 
(أمّ تحتضن طفلها الذي يعاني من سوء تغذية حاد في مستشفى «أم الرحمة» بولاية جنوب كردفان السودانية، «وكالة رويترز». )

إعداد: قسم الإعلام والتواصل في «الشبكة العربيّة للطفولة المبكّرة»
31 كانون الثاني/ يناير 2025

مع اقتراب الحرب في السودان من إتمام عامها الثاني، وبينما لا يزال النزاع محتدمًا في ظلّ التطوّرات العسكريّة خلال الأشهر الأخيرة، يستمرّ الوضع المأساوي للأطفال والعائلات تفاقمًا على مختلف الصُّعد.
أوضاعٌ إنسانيّةٌ كارثيّةٌ يعانيها هؤلاء؛ من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين في الهجمات، إلى تفشّي المجاعة والأمراض وانعدام المياه النظيفة وانهيار القطاع الصحّي، مرورًا بتهجير الملايين- مع معاناة البلاد من أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم- وصولاً إلى أزمة التعليم والعنف الجنسيّ والعنف القائم على النوع الجندريّ وتجنيد الأطفال على نطاقٍ واسع.


لا طعامَ كافٍ ولا تعليم
24 مليون طفل دمّر حياتَهم الصراعُ القائمُ في السودان. ومع تزايد الهجمات المروّعة، آخرها في أم درمان و«المستشفى السعودي» في الفاشر، أصبح من الصعب تعداد الضحايا من الأطفال الذين تجاوزوا الآلاف. وبينما انتشر النزاع إلى مناطق جديدة بين حزيران/ يونيو وكانون الأوّل/ ديسمبر من العام الماضي، أفادت «اليونيسف» بالإبلاغ عن أكثر من 600 انتهاك جسيم ضدّ الأطفال، مشيرةً إلى أنّ نسبةً صادمةً منها بلغت 80% هي عبارة عن بلاغاتٍ حول القتل والتشويه، خاصّةً في ولايات دارفور وكردفان والخرطوم.

السودان كذلك هو المكان الوحيد في العالم الذي تمّ تأكيد المجاعة فيه حاليًّا. وبهذا تكون المجاعة فيه إحدى أربع مجاعات تمّ تأكيدها على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية، وهي تباعًا: الصومال عام 2011، وجنوب السودان عامَي 2017 و2020، والسودان 2024.

أكثر ما يثير القلق أنّ أزمة المجاعة تتوسّع وتنتشر بمستوياتٍ تاريخيّة، وفق توصيف منظّمات دوليّة، مع ارتفاع كبير في حالات سوء التغذية، تحديدًا بين الأطفال. بحسب «التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائيّ» (IPC)، تنتشر المجاعة حاليًّا في خمس مناطق على الأقلّ هي مخيّمات زمزم، الذي يحوي 500 ألف نازح، وأبو شوك والسلام في شمال دارفور، وفي المجتمعات المَضيفة ومخيّمات النازحين في جبال النوبة الغربيّة. ومن المتوقّع أن تواجه خمس مناطق إضافيّة خطرَ المجاعة حتّى أيار/ مايو 2025، مع خطر وقوع المجاعة في 17 منطقة إضافيّة.

ووفق التصنيف نفسه، يعاني نصف سكّان السودان من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحادّ، ما يمثّل تفاقمًا غير مسبوق في أزمة الغذاء والتغذية. وفي هذا الإطار، تقدّر «اليونيسف» عددَ الأطفال دون سنّ الخامسة الذين سيعانون من سوء التغذية الوخيم خلال العام الحاليّ بـ770 ألفًا، مؤكّدةً «أهمية إيصال الرعاية المنقذة للحياة إليهم في الوقت المحدّد». وكان «برنامج الأغذية العالمي» حذّر نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2025 من عرقلة الجهود الإنسانيّة فيما يحاول توسيع عمليّاته وقد وصل بالفعل إلى بؤر لم يتمكّن سابقًا من الوصول إليها. يأتي هذا بينما يعاني السودان من انهيارٍ اقتصاديّ وتفكّك حادّ في الخدمات الاجتماعيّة الأساسيّة والمجتمعيّة وضعف وصول المساعدات الإنسانيّة.

الإعلان الرسميّ الأوّل للمجاعة في مخيّم زمزم خلال آب/ أغسطس من العام الماضي، سبقه تحذيرٌ من منظّمات دوليّة، وعلى رأسها «اليونيسف»، التي قالت في آذار/ مارس الماضي «لا يمكن للأطفال الانتظار حتى يناقش العالم ما إذا كانت المجاعة بدأت في السودان، وهم بحاجة ماسّة إلى المساعدة الآن».
تتطابق التصريحات الصادرة عن المنظّمات المعنيّة بالطفولة حول المجاعة في السودان مع تلك التي صدرت خلال الإبادة على غزّة والتي حذّرت من أنّ موتَ الأطفال جوعًا يمكن تفاديه، ما يدلّل على تطابق ظروف الأطفال في مناطق الأزمات والحروب، وإن اختلف النطاق الجغرافيّ. وبحسب منظّمة «أنقِذوا الأطفال»، أطفالُ السودان هم أوّل ضحايا المجاعة وهم يواجهون بالفعل حالات وفاة مؤلمة يمكن تجنّبها. كما يشكّل سوء تغذية الأمّهات تهديدًا لصحّتهنّ على حدّ سواء، ما يتطلّب تدخّلاً فوريًّا.

إلى ذلك، هناك حاليًّا في السودان 17 مليون طفل خارج المدارس، في أسوأ أزمة تعليم على مستوى العالم. وقد أتت الحرب لتضاعفَ من تدهور القطاع التعليمي الذي يعاني منذ عقود وتمنعَ الأطفال من تحصيل حقّهم في التعليم مع تحوّل المدارس إلى ملاجئ. إنّ عدم إعادة فتح المدارس بشكلٍ آمنٍ من شأنه أن يهدّد المجتمع السودانيّ لعقود ويحدثَ فجوةً كبيرةً بين صفوف الأطفال، والأخطر، فقدان جيل كامل. من جهةٍ أخرى، يتعرّض الأطفال إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ من العنف الجنسي والتجنيد على نطاقٍ واسع، مع ما يخلّفه ذلك من عواقب مدمّرة.

أطفالٌ مَنسيّون
على الرغم من تعاظم المأساة وتحطيم الأطفال في السودان «الأرقامَ القياسيّة» على مستوى العالم، فإنّ حقوقهم وقضيّتهم شبه منسيّة لا تحظى بالتغطية الإعلاميّة المطلوبة، وهي ضائعة بين ازدواجيّة المعايير. إنّ تضافر جهود مؤسسات الطفولة المبكّرة واستثمار الموارد بشكلٍ مشتركٍ وتوحيد الاستراتيجيّات تشكّل جميعها عاملًا حاسمًا في حماية أطفال السودان من المخاطر المتزايدة على مستوى الصحة والتعليم والمتابعة الصحية والنفسية- الاجتماعية والحماية من العنف والاستغلال، وهم اليوم في أشدّ الحاجة إلى ذلك.