نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

أطفال لبنان في مرمى انعدام الأمن الغذائي

 
(تصوير: مازن حديب من برنامج الغذاء العالمي)

إعداد: قسم الإعلام والتواصل في «الشبكة العربية للطفولة المبكّرة»

26 آذار/ مارس 2025

ليست مسألة انعدام الأمن الغذائي في لبنان حديثة العهد. هي حصيلة سياسات عمرها عقود تتقاطع فيها مجالات الزراعة والاقتصاد والسياسة والأمن. وقد اشتمل مفهوم الأمن الغذائي، مذ صيغَ عام 1996، على ركائزَ أربع هي توافر الأغذية وإمكانيّة الحصول عليها واستخدامها واستقرارها. ومع وجود تباين مفاهيمي، قوبِل مصطلحُ «الأمن الغذائي» بـ«السيادة الغذائيّة». ينطلق الأخير من حقّ الدول والأفراد بإنتاج الغذاء بأنفسهم والتحكّم بموارده، بينما ينحصر الأوّل بحقّ الحصول على الغذاء بشكلٍ كافٍ بصرف النظر عن مصدره.

أسباب كثيرة تساهم في زعزعة الأمن الغذائي في لبنان أهمّها:

  • احتواؤه على أعلى معدّل من اللّاجئين للفرد في العالم.
  • تدنّي إنتاجيّة المياه والاستخدام المفرط للمياه لأغراض الريّ.
  • ارتفاع تلوّث المياه مع التراجع الحادّ في معدّلات الأمطار لهذا العام.
  • الاعتماد على واردات الأغذية والمساهمة المحدودة لقطاع الزراعة في الاقتصاد الوطني اللبناني (بحسب «الإسكوا»، بين 2004 و2019 لم تتجاوز الميزانيّة العامّة المخصّصة لهذا القطاع 2% كحدّ متوسّط).
  • ضعف أداء الخدمات اللوجستيّة المنخفضة أصلاً.
  • انكماش الاقتصاد بنسبة 34% من الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي منذ 2019 مع ركود الاستثمارات.
  • تفاقم الأزمة الاقتصادية منذ 2018، وصولًا إلى التضخّم، خصوصًا في أسعار الغذاء.
  • تعطّل القطاعات الحيويّة.
  • غياب شبكات أمان اجتماعي متينة للأفراد والأسر.
  • الآثار الاقتصاديّة والاجتماعيّة للكوارث والأزمات المتلاحقة مثل انفجار مرفأ بيروت عام 2020 وجائحة كوفيد 19.

أتت الحرب الإسرائيليّة الأخيرة لتفاقم الأزمات. في أرقامٍ مقلقة، كان التصنيف المرحليّ أشار، في تقرير نُشر مطلع العام الحاليّ، إلى أنّ 30% من سكّان لبنان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحادّ مع بداية عام 2025. وكان قد توقّع استمرار حالة انعدام الأمن الغذائي حتى آذار/ مارس 2025 من دون عودة قصيرة الأمد إلى الظروف التي سبقت الأزمة. ومع استمرار مفاعيل الحرب في ظلّ هشاشة وقف إطلاق النار واستمرار الخروقات الإسرائيليّة والاعتداءات، صدَقت التوقّعات بعد ثلاثة أشهر.

وللمرّة الأولى، كانت قد سُجّلت خلال الحرب في لبنان، تحديدًا في مدينة بعلبك (شمال شرق لبنان)، ظروف جوع تُصنَّف ضمن المرحلة الرابعة من التصنيف المرحليّ المتكامل للأمن الغذائي، أو ما يُعرف بـ«مرحلة الطوارئ». هذا يعني أنّ الأسر تواجه معدّلات مرتفعة من سوء التغذية وتلجأ إلى آليّات تكيّف ضارّة تشمل عمالة الأطفال واللّجوء إلى أنشطة غير قانونيّة، أو تحمّل ديون خانقة. غير أنّ تقرير التصنيف كان قد رسم صورةً أقلّ قتامةً للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحاليّ، متوقّعًا تحسّن الظروف الغذائيّة في تلك المنطقة. ومع ذلك، ما زال التحدّي قائمًا. إنّ الظروف الأمنيّة التي تمرّ بها تلك المنطقة واستقبالها لاجئين جددًا، بالإضافة إلى استمرار الانتهاكات الإسرائيليّة، تضع عبئًا إضافيًّا على السياسات المرسومة لتقليص فجوات الغذاء وتحسين ظروف الأسر والأطفال في المناطق الأكثر تهميشًا وفقرًا.


وضعيّة الأطفال في المشهد العامّ
على مرّ السنوات الماضية، عانى أطفال لبنان من صدماتٍ متتالية خلّفت أثرًا على مختلف النواحي المتعلّقة بهم، وعلى رأسها الغذاء. وبينما يُعتبر الأطفال والنساء واللاجئون الأكثرَ تأثّرًا بانعدام الأمن الغذائي، يقبع الأطفال على رأس اللائحة. في الأرقام، حوالي ثلث الأطفال في لبنان استقبلوا العام الحاليّ وهم يواجهون مستويات جوع تصل إلى مرحلة الأزمة، بحسب منظّمة «أنقِذوا الأطفال».

وكانت المنظّمة نفسها توقّعت، في تحليلٍ لتقرير التصنيف المرحليّ الآنف الذّكر، أن يصل 526 ألف طفل في لبنان بحلول شهر آذار/ مارس الحالي إلى مستويات جوع تُصنَّف ضمن «مرحلة الأزمة» أو «مرحلة الطوارئ» أو «مرحلة الكارثة»، (المرحلة الثالثة وما فوق من مراحل التصنيف) بالمقارنة مع 504 آلاف طفل في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي. وقد أظهرت بيانات منشورة سابقًا زيادة في جوع الأطفال بنسبة 5% بين تشرين الأوّل/ أكتوبر وكانون الأوّل/ ديسمبر 2024.

اليوم، يعاني واحدٌ من كلّ أربعة أطفال دون سنّ الخامسة من انعدام حادّ في الأمن الغذائي، ممّا يهدّد بارتفاع معدّلات الهزال بين الأطفال. في الإطار، سَبق لتقرير التصنيف المرحليّ أن تحدّث عن دراسةٍ هي الأولى من نوعها أُجريت بالتعاون مع وزارة الصحّة العامّة اللّبنانية وأشارت إلى أنّ ثلاثةً من كلّ أربعة أطفال دون سنّ الخامسة يتبعون أنظمة غذائيّة تفتقر إلى التنوّع، ممّا يجعلهم عرضةً للتقزّم والهزال.

ويزيد المشهدَ بؤسًا تراجعُ مستوى النّظامَين الصحّي والاستشفائي وهزالةُ الضمان الصحّي للأفراد والأسر، ما يقف عثرة حجرٍ في سبيل حصول الأطفال والأمّهات ومقدّمي/ات الرعاية على حقّهم العامّ في الطبابة، واضطرارهم إلى اللّجوء إلى مؤسساتٍ خاصّةٍ لاستيفاء الحقّ، مع تكبّد الأهل مشقّة التكلفة. يُضاف إلى ذلك اعتماد أكثر من نصف سكّان لبنان على المساعدات الغذائيّة الأساسيّة منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيليّة الأخيرة. إحدى مخاطر هذا الاعتماد تأثّره بأيّ تغييرٍ يتعلّق بسياسة المساعدات، سواءً على مستوى حجمها أو معايير توزيعها.

هواجس الأعوام الماضية تتحقّق
كلّ هذه الأرقام ليست مفاجئة. مطلع 2023 مثلًا، احتلّ لبنان المرتبة السادسة عالميًّا لأسوأ أزمة غذائيّة من حيث نسبة السكّان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

حينها، حذّرت «أنقِذوا الأطفال» من أنّ عدد الأطفال في لبنان الذين يواجهون مستويات جوع حرجة من المتوقّع أن يرتفع بنسبة 14% مع بداية 2023 ما لم تُتّخذ إجراءات عاجلة. وكان 277 ألف طفل دون سنّ الخامسة يعانون من فقر غذائي في مرحلة الطفولة المبكّرة، بينما يقبع ثلثهم في حالة فقر غذائي شديد. هذا يعني أنھم یعیشون على وجبات غذائیّة فقیرة للغایة تتكوّن من مجموعتین غذائیّتین فقط لا غیر.

ومع توالي الأزمات، بدا أنّ الهواجس والتحذيرات التي أطلقت على مرّ السنوات الماضية حول تدهور الأمن الغذائي في لبنان وأثره على الأطفال آيلة إلى التحقّق. وفي نظرةٍ أشمل، يقبع لبنان ضمن منطقةٍ تعاني عامًا بعد عام من تفاقم الجوع مع تزايد التحدّيات التي تعصف بالمنطقة، الأمر الذي أكّده تقريرٌ أمميّ مفصّل نهاية العام الماضي.

وعلى حجم التحدّيات تكون المسؤوليّات؛ مسؤوليّة الحكومة اللبنانيّة في وضع القضاء على الفقر الغذائي لدى الأطفال على سلّم أولويّاتها. ومسؤوليّة الشركاء الإنسانيّين والتنمويّين، العاملين في قطاع الطفولة وغيره، بما فيها منظّمات المجتمع المدني والمنظّمات غير الحكوميّة. ومسؤوليّة القطاع الخاصّ، انطلاقًا من مسؤوليّته الاجتماعيّة، في الاستثمار بالنُّظم الصحية والرعاية والحماية والخدمات التغذويّة لضمان حقّ كل طفل في الغذاء والتغذية السليمة.