أكثر من شهرين على «زلزال القرن» في المغرب
آليّات الاستجابة وحماية الأطفال
مرّ أكثر من شهرين على الزلزال المدمّر الذي ضرب المغرب في 8 أيلول/ سبتمبر، وتحديدًا منطقة إقليم الحوز وتضرّرت بفعله خمسة أقاليم أخرى. الزلزال الأعنف والأقوى منذ قرن، بحسب «المعهد الوطني للجيوفيزياء» في المغرب، الذي ضرب البلاد خلّف 2946 قتيلاً، من بينهم مئات الأطفال، وأكثر من 6000 جريح، من ضمنهم آلاف الأطفال.
وبحسب السلطات المحليّة، بلغ عدد القرى المتضرّرة 2930 قرية، أي نحو ثلث القرى في المنطقة، مشيرةً إلى أنّ عدد سكّان القرى التي لحقتها أضرار الزلزال هو 2.8 ملايين نسمة. كما قدّرت الأمم المتحدة تضرّر أكثر من 300 ألف شخص في مراكش وجبال الأطلس الكبير جرّاء الزلزال، من بينهم ما لا يقلّ عن 100 ألف طفل، في وقتٍ يمثّل الأطفال حوالي ثلث سكّان المغرب (31.5%)، بحسب تقديرات عام 2022. وفي مجال التعليم الأوّلي بلغ عدد القتلى 23 طفلاً، وخمسة جرحى، ما قُتلت مربّية، وأصيب سبعةٌ آخرون بجروحٍ خطرة.
كما أدّى الزلزال إلى انهيار حوالي 60 ألف مبنى، من بينها 50 ألف منزل تدمّرت بشكل كامل أو جزئي، ومبانٍ أثريّة وتاريخية، ما أدّى إلى نزوح وتشرّد آلاف العائلات. كما تضرّرت المدارس والمستشفيات والمرافق الصحية والتعليمية الأخرى أو دُمّرت بسبب الزلزال، ما خلّف أثرًا كبيرًا على الأطفال على مستوياتٍ عدّة؛ صحية وتعليمية واجتماعية واقتصادية ونفسية.
أولاً: الاستجابات
تمثّلت التحديات الأساسية على مستوى الاستجابة في تأمين المأوى والموادّ الغذائية الكافية لأشهر ومياه الشرب الآمنة والصرف الصحّي المناسب وخدمات الطوارئ المتعلّقة بالبحث والإنقاذ. كما شكّلت مخاطرُ الانهيارات الأرضية والمساحات الكبيرة للمنطقة المتضرّرة عائقًا في وجه جهود الإنقاذ والإغاثة، ما أدّى بدوره إلى وجود صعوباتٍ تتعلّق في وصول الخدمات الطارئة إلى من يحتاجونها.
تلَت الكارثة استجاباتٌ على مختلف الأصعدة، المحليّة والإقليمية والدوليّة، خصوصًا تلك المتعلّقة بالأطفال والأهل ومقدّمي الرعاية. على المستوى المحلّي، أوضح «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» أنّ السلطات المغربية قادت جهود الاستجابة الوطنية وفعّلت آليّات الإنقاذ.
وأعلنت الحكومة بدورها تنفيذ خطة طارئة لدعم ضحايا الزلزال، بما في ذلك خطة لإعادة الإسكان وإعادة بناء المنازل المدمّرة وتأهيل البنى التحتية والمراكز الصحية والتعليمية. كما وزّعت تجهيزاتٍ عينيّة من خيام وبطانيّات وفرش للعائلات المتضرّرة، والطعام والأدوية، وتوفير خدمة نفسية للأطفال الذين تعرّضوا إلى صدمةٍ نفسية.
واصلت فرق «الهلال الأحمر المغربي» الاستجابة على الأرض، فنسّقت مع السلطات المحلّية لتقييم الوضع وتقديم الدعم للأشخاص المتضرّرين، وتقديم الإسعافات الأولية والدعم النفسي والاجتماعي والمساعدة في نقل الجرحى إلى المستشفيات وتجديد مخزون الدم وتقديم الرعاية الصحية للأمّهات.
شيّدت القوات المسلّحة الملكية (الجيش بفرقه المختلفة) مستشفيات عسكرية في المدن المتضررة لاستقبال الجرحى، على غرار مدينة تارودانت (وسط) وأمزميز (شمال).
سارعت فعاليات المجتمع المدني بالانتقال إلى المناطق المنكوبة، وساهمت في تقديم المساعدات لضحايا الفاجعة وذلك عبر تقديم الدعم اللازم مثل:
على المستوى الإقليمي والدولي، إلى جانب الاستجابة الإنسانية الطارئة على شكل مساعداتٍ ماليّة من دولٍ عدة، تمّ تقديم مساعدات عينيّة من إرسال فرق بحث وإنقاذ ومتخصّصين وفرق إسعاف وفرق طبّية ووحدات عسكرية وكلاب مدرّبة، بالإضافة إلى إرسال أجهزة مراقبة متطوّرة لاكتشاف الضحايا تحت الأنقاض ومعدّات إنقاذ.
وبعد مرور أسابيع على الزلزال، أعلنت وزارة التجهيز المغربية فتحَ الطرق الرئيسية المتضرّرة بشكلٍ كاملٍ، بينما وصلت نسبة فتح الطرق الفرعية إلى أكثر من 90%. وحاليًّا، يعمل المغرب على ترميم الأبنية التراثية التي تضرّرت بشدة بفعل الزلزال.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة في هذا الإطار، تبقى هناك ضرورة لتدخلّاتٍ طويلة الأمد نظرًا إلى أنّ خطّة إعادة الإعمار التي تشمل تحديث البنى التحتية ستتطلّب خمس سنوات، بحسب السلطات المغربية، وسيُنفَق عليها 11.7 مليارات دولار.
تأتي هذه الخطوات في ظلّ ضغوطٍ كبيرة أحدثها الزلزال على الاقتصاد المغربي، وذلك بعدما كان قد شهد النموُّ الاقتصادي في البلاد خلال الربع الأول من العام الحالي، قبل وقوع الزلزال، تباطؤًا مقارنةً بنموّ بلغ 3.5% من الربع الأوّل من العام، وذلك بسبب موجات الجفاف التي أثّرت على القطاع الزراعي وتداعيات الحرب في أوكرانيا وغيرها من الأسباب. غير أنّ المصرف المركزي المغربي، في المقابل، توقّع نهاية شهر أيلول/ سبتمبر تحسّن الاقتصاد واستمرار انخفاض التضخّم إلى 2.6% خلال العام المقبل، مشيرًا إلى أنّ البيانات المتعلقة بتأثير الزلزال على المالية العامة ومستويات الدين لن تكون متاحة إلا في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
ثانيًا: آليات حماية الأطفال
في أيّ حالة طارئة، يكون الأطفال الصغار دائمًا الحلقة الأضعف. وفي المغرب، دقّ الزلزال ناقوسَ الخطر للبناء على أيّ خطط سابقة تختصّ بهم، أو بناء أخرى أكثر فعالية واستدامة. وفي هذا الإطار، وافق مجلس النوّاب المغربي، بالإجماع، على مشروع قانون رقم 50.23 يتعلّق بمنح الأطفال ضحايا الزلزال صفة «مكفولي الأمة» وفقًا للقانون رقم 33.97 من أجل التكفّل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأصبحوا من دون مورد بفعل الزلزال. ووفقًا لهذا القانون، يتمتّع الأطفال دون سنّ العشرين المعترَف لهم بصفة مكفولي الأمّة بحقّ الاستفادة من الرعاية المعنويّة والمادية المقدّمة من قِبل الدولة التي تتولّى رعايتهم؛ في إطار التعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
توفير بيئة آمنة ومواتية لنموّ الأطفال وتلبية احتياجاتهم العاطفية والتعليمية عن طريق:
ثالثًا: الاحتياجات ومجالات التدخل
يمكن اختصار أبرز الاحتياجات ومجالات التدخّل لمساعدة الأطفال والأهل ومقدّمي الرعاية وحمايتهم في النقاط الآتية: