مقابلة مع الخبير في الصحة العامّة ماهر أبو ميّالة
ما قبل الكارثة: واقع مأزوم
منذ ما قبل وقوع الزلزال الأول المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا في 6 شباط/ فبراير 2022 وتبعه زلزالٌ ثانٍ وآلاف الهزات الارتدادية، تعاني سوريا من تبعات 12 عامًا من الحرب. وخلال العامين الماضيين، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد على نحوٍ غير مسبوق، مخلّفةً آثارًا مهولةً على السوريين والنازحين داخل سوريا واللاجئين خارجها، وتحديدًا النساء والأطفال منهم.
بحسب ماهر أبو ميّالة، الخبير في الصحة العامّة والمدير التنفيذي لمؤسسة «الأغاخان» للخدمات الصحية في سوريا Aga Khan Health Services، منذ ما قبل وقوع الكارثة أدّت «أزمةُ المحروقات الخانقة إلى انقطاع أو شحّ إمدادات الوقود على القطاعات الإنتاجية والنقل وتوليد الكهرباء. كما انعكس تطبيقُ الحكومة لسياسة رفع الدعم عن المواد الأساسية منذ مطلع عام 2022 على قدرة العائلات على توفير ما يكفيها من احتياجات أساسية للمعيشة ما أدّى إلى ارتفاع نسب سوء التغذية لدى النساء والأطفال خاصةً في المناطق الأكثر فقرًا بالأرياف والمستوطنات حول المدن». وفي هذا الإطار، يؤكّد الحاجة إلى إجراء «دراسات ومُسوحات لتحديد معدلات انتشار سوء التغذية حيث من الملاحظ ازدياد معدل انتشار التقزّم عند الأطفال وفقر الدم عند النساء في سنّ الإنجاب».
على المستوى الصحّي، يوضح أبو ميّالة في مقابلةٍ مع «الشبكة العربية للطفولة المبكرة» «تراجع عدد المرافق الصحية والأسرّة والمواد والمستلزمات الطبية والأدوية والعاملين الصحّيين بالنسبة للسكّان، بالإضافة إلى تراجع التمويل الحكومي للمرافق الصحية العامة، مع احتياج الكثير من تلك المرافق إلى الصيانة». أمّا التحديات في قطاع التعليم فإلى تفاقُم مع «التردّي الحادّ في الخدمات التعليمية، خاصةً على مستوى جودة التعليم».
لقد كان لسنوات الحرب الطويلة كذلك، وما رافقها من تدهورٍ في الظروف المعيشيّة، أثرٌ على المستوى النفسي وخدمات الصحة النفسية في سوريا، فـ«مع تراكم الضغوط النفسية وانخفاض الوعي حول التعامل معها، انتشرت الحالات النفسية التي تحتاج إلى رعاية متخصصة». في الإطار، يشير أبو ميّالة إلى أنه «على الرغم من المشاريع العديدة الموجودة لتوفير مساحات آمنة، ما زال التعبير عن المشاعر أو التعامل مع الظروف المحيطة غير متاحَين لغالبية النساء والأطفال»، مختصرًا الواقع بـ«تدنّي المستوى الثقافي في ما يخصّ التعامل مع الأطفال والمراهقين بسبب التركيز على تأمين الاحتياجات الأساسية وتأجيل الاهتمام بتنمية الطفولة المبكرة والاحتياجات النفسية للفئات الهشّة».
في ما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية المقدَّمة إلى سوريا، يوضح المدير التنفيذي لـ«الأغاخان» أنّ الأوضاع اتّجهت إلى الأسوأ مع نهاية 2022، متحدّثًا عن انخفاض «تمويل جميع المنظمات بشكلٍ كبير، ممّا أدّى إلى إلغاء أو تقليص العديد من المشاريع المهمّة مثل تراجع عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية، وانخفاض عدد رِياض الأطفال والمساحات المدعومة سابقًا من قِبل منظمات تُعنى بالطفولة والمراهقة والنساء».
معايير مزدوجة واحتياجات متفاقمة
مع وقوع الزلزال الأول، «اقتصرت الاستجابة على المبادرات المحليّة غير المنظّمة التي لم يرقَ بعضُها إلى مستوى الحدث، أما الاستجابة الدولية خلال الساعات الـ72 الأولى فقد اقتصرت على محاولة فهم حجم الأضرار فتأخّرَ وصول المساعدات». يوضح أبو ميّالة أنّ «التأخر في عمليات الإنقاذ
وضعف الموارد أدّيا إلى مزيد من الوفيات التي كان يمكن إنقاذها»، مؤكّدًا انعدام وجود «تقييم سريع لآثار الزلزال في المناطق السوريّة المتضررة وأنّ الزلزال أثبت ضعف الاستعداد للاستجابة للطوارئ والكوارث».
وعن المعايير المزدوجة في الاستجابة الدولية للكارثة بين سوريا وتركيا يقول أبو ميّالة إنها «زادت من حالة اليأس لدى السوريين وفاقمت من معاناة الناس ومأساتهم في ظلّ أزمة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة»، موضحًا أنّ المساعدات ازدادت «خصوصًا بعد تعديل العقوبات (الأميركية) والتسهيلات المقدّمة من الحكومة السورية لإدخال المساعدات»، مشددًا في الوقت نفسه على وجود «نقص في إجراء تقييم شامل ووضع خطة متكاملة ومنسّقة بين كلّ الأطراف للاستجابة، وأنّ هناك شكوى من التوزيع غير العادل للمساعدات داخل سوريا نظرًا إلى غياب تحديد علمي وواقعي للاحتياجات، كما أنّ هناك بعض أنواع المساعدات التي كانت متوفّرة بشدّة مقابل شحّ احتياجات أخرى».
وعلى رأس احتياجات الأطفال وأسرهم في سوريا يحتلّ تأمينُ مأوى مستقرّ للعائلات المتضررة الأولوية، بحسب أبو ميّالة الذي يعدّد أبرز الاحتياجات على المدى القصير:
تتقاطع الاحتياجات على المدى الطويل مع المدَيين المتوسّط والقصير الأجل، فيرى أبو ميّالة أنّ أبرز تلك الاحتياجات «يتضمّن تأمين الخدمات الصحية، خاصةً خدمات اللقاح وتعزيز التغذية وتدبير الحالات المرَضية»، مشدّدًا على ضرورة «إعطاء اهتمام خاصّ للرعاية المتكاملة والشاملة لصحة وتطور الطفل، ومن ضمنها الرعاية من أجل التطور ورعاية التنشئة ودمجها بخدمات الرعاية الصحية وتمكين الأهل للقيام بها، إضافةً إلى رفع الوعي حول أهمية الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي».
وفي الإطار، يؤكّد ضرورة أن «تكون التدخلات متكاملة بين القطاعات وربط وتنسيق تلك التدخلات مع أنشطة المجتمع ومنظماته ومع الأهالي»، موضحًا أن الطريقة الأنجع للتعامل مع كارثة الزلزال هي في «برامج التدخل المتكاملة القائمة على تحليل الاحتياجات ووضع الخطط الاستراتيجية على المدى الطويل والتي تتضمّن حملات مناصرة وحملات إعلامية وتبرعات وبناء نظام تكافل اجتماعي، وتمكين القدرات المحلية».