نتواصل لأجل أطفال سعداء
We Communicate For Happy Children

غزّة بعد وقف إطلاق النار: مستقبل جيل كامل على المحكّ

 
(غزة 2023، أطبّاء بلا حدود )

6 شباط/ فبراير 2025

النداء إلى العمل أدناه صادر عن «الشبكة العربيّة للطفولة المبكّرة» و«الشبكة الفلسطينيّة للطفولة المبكّرة»

بعد 15 شهرًا من الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة بحقّ أهل قطاع غزّة وأطفاله، دخلت المرحلة الأولى من اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تليها مرحلتان يرتبط نجاحُهما بنجاح المفاوضات حينها. خلال الإبادة، رفعنا في «الشبكة العربيّة للطفولة المبكّرة»، ومعنا شركاء محلّيّون وإقليميّون ودوليّون، وسائر المنظّمات الإنسانيّة والحقوقيّة ومؤسّسات الأمم المتّحدة، الصوتَ عاليًا مطالبين بوقف الإبادة الجماعيّة والتجويع والتهجير القسريّ لأهل القطاع وأطفاله. وكنّا من السبّاقين ضمن قطاع الطفولة المبكّرة في تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيليّة الجسيمة للقوانين الدوليّة والإنسانيّة و«اتّفاقيّة حقوق الطفل» ببنودها كافّةً قبل انتقال ملفّ الإجرام الإسرائيلي إلى المحاكم الدوليّة. واليوم، نجد أنفسنا، أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى، معنيّين بمتابعة حاجات الأطفال الصغار والمعنيّين/ات بقطاع الطفولة المبكّرة في غزّة، وتنسيق آليّات تدخّل تضمن لهم مستقبلاً أفضل.

إنّ حجم الدمار في غزّة يعني أنّ جميع الأرقام والإحصاءات المقدَّمة في التقارير الصادرة أوّليّة، وتاليًا الحصيلة إلى ارتفاع. خلال الإبادة، ألقت إسرائيل على رؤوس أهل القطاع وأطفاله حوالي 100 ألف طنّ من المتفجّرات. لفهم حجم الدمار، يعادل هذا الرقم نصفَ قوّة رأس حربي نووي أميركي محدّث اليوم، والذي تساوي قوّته 200 ألف طنّ من المتفجّرات.

على مستوى الخسائر البشريّة، خلّفت الإبادة في محصّلتها الأوّليّة أكثر من 175 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، (ما يفوق 17 ألف طفل شهيد) وأكثر من 11 ألف مفقود. ومع وقف إطلاق النار وتحرُّك بعض عمّال الإغاثة، بدأت ترتفع تباعًا أرقامُ الضحايا مع تقديرٍ بوجود أكثر من 10 آلاف تحت الأنقاض وآلاف المفقودين.

وكما هو الحال في لبنان، يستمرّ جيش الاحتلال بخرق الهدنة في القطاع عبر استهداف الفلسطينيّين والأطفال بالرصاص الحيّ ما أدّى إلى وقوع ضحايا، مع صدور تقارير حول تلغيم الاحتلال لبيوت وبنى تحتيّة أخرى قبل دخول الهدنة حيّز التنفيذ، ما أدّى إلى وقوع إصابات.

وليس إعلانُ الأمم المتّحدة تدفّقَ مزيدٍ من المساعدات إلى القطاع، خصوصًا الغذائيّة منها، وتوسيع نطاق الخدمات المنقذة للحياة، سوى تأكيدٍ لسياسة التجويع التي كان يمارسها الاحتلال خلال الإبادة، إذ كان يمنع دخول آلاف الشاحنات المتوقّفة على المعابر ما أدّى إلى تلف البضائع فيها.

ولا يجب التغافل عن المجازر التي يمارسها الاحتلال والمستوطنون في الضفّة الغربيّة المحتلّة، بما فيها القدس الشرقية، والتي تفاقمت على إثر دخول الهدنة حيّز التنفيذ. وقد أدّى ذلك إلى عشرات الشهداء ومئات المعتقلين والجرحى، بينهم أطفال، وآلاف العائلات النازحة، خصوصًا في مخيّم جنين المحاصر الذي منع الاحتلالُ المياه والكهرباء عن المستشفى فيه، ومخيّم طولكرم ورام الله.

إنّ وقف إطلاق النار في غزّة يمنح الأطفال الصغار ومقدّمي/ات الرعاية لهم والأمّهات والمرضعات وجميع العاملين/ات في قطاع الطفولة المبكّرة متنفّسًا من آلة القتل اليوميّة، غير أنّ رحلة التعافي والاستجابة لمتطلّبات ما بعد الإبادة طويلة وشاقّة. في غزّة حاليًّا أكثر من 570 ألف امرأة حامل ومرضعة وطفل تحت سنّ السادسة، أي 25% من سكّان القطاع، يواجهون تحدّيات شديدة تتعلّق بتنمية الطفولة المبكّرة نتيجة انهيار أنظمة الرعاية الصحية والتغذية والتعليم والسلامة الأساسيّة بفعل الإبادة. إنّ مستقبل جيل كامل مهدّد إذا لم يتمّ التحرّك بالشكل اللازم والمطلوب.

الوضع الحالي وأبرز التحدّيات

  • آلاف المفقودين، بينهم أطفال، ما زالوا تحت الأنقاض. بحسب الخبراء، يتطلّب إزالة حطام القصف، الذي يفوق 42 مليون طنّ، أكثرَ من عقد من الزمن. 48% من أفراد الدفاع المدني إمّا استُشهدوا أو أصيبوا أو اعتُقلوا. كما أنّ هناك صعوبة شديدة لمرور مركبات الإغاثة بسبب تدمير الطرقات وتجريفها والتي بلغت حوالي مليونين و835 ألف متر طولي بحسب البيانات الرسميّة.
  • عشرات آلاف العائلات ما زالت تعيش في خيامٍ باردة تفتقر إلى أدنى مقوّمات العيش نتيجة تدمير 88% من البنى التحتية بما فيها المنازل وشبكات المياه والصرف الصحّي وغيرها، وفق إحصائيّات رسميّة في 21 كانون الثاني/ يناير 2025. إنّ ظروف العيش هذه تزيد من مخاطر إصابة عشرات آلاف الأطفال والرضّع بأمراض قاتلة.
  • أزمة غذاء حادّة وانعدام الأمن الغذائي نتيجة أشهر طويلة من التجويع وتدمير البنية الزراعية الأساسيّة. 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحادّ وعشرات آلاف الحوامل والمرضعات يعانين من فقر الدم.
  • أكثر من 17 ألف طفل منفصلين عن أهاليهم، بحسب «اليونيسف». وترفع مصادرُ أخرى الرقم إلى 20 ألفًا، ما يضع ضغطًا هائلاً على أنظمة الرعاية البديلة التي تعاني في الأصل.
  • أكبر عدد من مبتوري الأطراف بين الأطفال في التاريخ الحديث في قطاع غزّة، بحسب الأمم المتّحدة، حيث فقد 10 أطفال يوميًّا إحدى الساقين أو كلَيهما. معظم عمليّات البتر كان يمكن تفاديها. 15 طفلاً أصيبوا يوميًّا طوال عام 2024 بإعاقات قد تدوم مدى الحياة، بحسب منظّمة «أنقِذوا الأطفال».
  • القطاع الطبّي والصحّي منهار. أكثر من نصف مستشفيات غزّة خارج الخدمة، مع استشهاد مئات العاملين/ات في مجال الرعاية الصحّية. ومع وجود عشرات آلاف الجرحى بانتظار العلاج في الخارج، ستسمح إسرائيل لـ300 شخص فقط بمغادرة القطاع يوميًّا عبر معبر رفح، بموجب الاتّفاق.
  • تعطُّل قطاع التعليم مع تضرّر 95% من المدارس والمرافق التعليميّة بشكل مباشر، بحسب وزارة التعليم في غزّة. استشهاد أو فقدان أكثر من 15 ألف طفل في سنّ الدراسة، وإصابة أكثر من 50 ألفًا آخرين، واستشهاد مئات العاملين/ات في قطاع التعليم.
  • حرمان أكثر من 70 ألف طفل من الوصول إلى الحضانات ورِياض الأطفال، مع تضرُّر حوالي 500 روضة.
  • تفاقم أزمة الصحّة النفسية في القطاع مع حاجة جميع الأطفال إلى دعم نفسي- اجتماعي، ومعاناة مقدّمي/ات الرعاية من صدمات مستمرّة تحدّ من قدرتهم/نّ على تلبية احتياجات الأطفال في ظلّ نقص الدعم النفسي- الاجتماعي الخاصّ بهم/نّ.
  • حشد الدعم السياسي العالمي على المستويات المختلفة للضغط الفاعل باتّجاه:
    – استمرار وقف إطلاق النار ونجاح المرحلتين المقبلتين منه.
    – تضافر الجهود اللاّزمة بهدف تبنّي نهج موحّد لحماية حقوق الأطفال بعيدًا من ازدواجيّة المعايير والأجندات السياسيّة.
    – السماح لوكالات الأنباء الدوليّة ووسائل الإعلام دخول غزّة وضمان حريّة عملها لتوثيق الإبادة بحقّ الأطفال والعائلات، وذلك بعد منع الاحتلال ذلك طوال 15 شهرًا.
    – رفع أعداد المصابين، خصوصًا الأطفال والأمّهات، المسموح لهم/نّ مغادرة القطاع لتلقّي العلاج في الخارج.
    – تأمين تغطية كلفة الخسائر الأوّليّة المباشرة للإبادة والتي زادت عن 38 مليار دولار أميركي بحسب المكتب الإعلامي الحكومي (21 كانون الثاني/ يناير 2025).
    – فتح جميع المعابر والسماح بدخول المستوى الضروري من المساعدات إلى قطاع غزة، وتحديدًا إلى الشمال.
    – تسريع عمليّة إزالة الأنقاض ومخلّفات الحرب المتفجّرة.
    – رفع الصوت في وجه قرار الكنيست إيقاف عمل «الأونروا» والذي من شأنه التأثير على مئات آلاف الأطفال والأسر في فلسطين ودول الشتات.
  • تضافر جهود الجهات والمؤسّسات الفاعلة في قطاع تنمية الطفولة المبكّرة، المحليّة والإقليميّة والدولية، بهدف:
    – صياغة خطّة تدخّل متعدّدة الأبعاد تعمل على المستويين القصير والطويل الأمد، وتركّز على وضع أسس للتّعافي المستدام.
    – دعوة أصحاب المصلحة إلى الانضمام بهدف حشد الموارد لتوفير الإغاثة الفوريّة وتأمين التعافي المبكّر والطويل الأمد للأطفال الصغار ومقدّمي/ات الرعاية في غزّة.
  • تقديم مئات آلاف الخيم المؤقّتة والكرافانات الملائمة للسكن بشكل مجّاني وفوريّ، خصوصًا إلى محافظتَي غزّة والشمال المدمّرتين والتي بدأت العائلات بالعودة إليهما.
  • ضمان وصول الأطفال والأمّهات والمرضعات والحوامل إلى الرعاية الصحية اللازمة، منها تيسير تلقيح مئات آلاف الأطفال وزيادة فحص الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ومعالجتهم وتكثيف جهود مراقبة الأمراض ومعالجة الالتهابات والأمراض المعدية والجلديّة المنتشرة بشدّة. وتأمين متابعة صحية متعدّدة الأبعاد للمرضى والجرحى وتزويد المستشفيات بالمعدّات اللازمة.
  • تلبية الاحتياجات الغذائيّة الكافية للأطفال الصغار والرضّع والحوامل والمرضعات وذلك بعد أشهر من التجويع المتعمّد.
  • إعادة لمّ شمل الأسر المنفصلة، ودعم أنظمة الرعاية البديلة في القطاع مع وجود عشرات آلاف الأطفال الذين فقدوا ذويهم أو جميع أفراد أسرهم أو يعيشون ضمن أسر بديلة.
  • تأمين دعم نفسي- اجتماعي لجميع الأطفال ومساعدتهم على التعافي، خصوصًا الأيتام والجرحى والذين بُترت أطرافهم. وتأمين الدعم النفسي للأهل ومقدّمي/ات الرعاية.
  • تأمين عودة آمنة للأطفال الصغار إلى التعليم، وتعويضهم عن العامين الدراسيّين السابقين.

 

إنّ مضمون نداء العمل هذا لا يمكن أن يتحقّق إلّا بتضافر جهودنا جميعًا، فمستقبل جيلٍ كاملٍ على المحكّ، وأطفال غزّة يحتاجون إلينا اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى.