عقدت «الشبكة العربيّة للطفولة المبكّرة» و«الشبكة الفلسطينيّة للطفولة المبكّرة»، بالتعاون مع «المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن» مؤتمرًا بعنوان «الصمود رغم الإبادة. أطفال فلسطين في ظلّ الأزمات والحروب»، وذلك يومَي 30 و31 تموز/ يوليو 2024 في العاصمة الأردنيّة عمّان.
نظّمت المؤتمر «شبكة جذور للإنماء الصحّي والاجتماعي»، وهي المؤسسة الحاضنة لـ«الشبكة الفلسطينيّة». وقد جمع أصحابَ المصلحة من مؤسّسات ودول عدّة ناقشوا تأثير الإبادة على الأطفال الفلسطينيّين، تحديدًا في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، من خلال جلساتٍ عرضت الأوضاع الكارثية للأطفال والأهل ومقدّمي الرعاية، بالإضافة إلى التحدّيات وأفضل الممارسات المنسّقة.
ركّز المشاركون على تضمين الدروس المستفادة ونقل الممارسات الفعّالة، بالإضافة إلى تطوير استجابات تشاركيّة إقليميّة ودوليّة وحشد التضامن والمناصرة للأطفال وتشجيع المؤسسات الدوليّة المعنيّة على إعادة توجيه برامجها الإنسانية نحو معالجة الحاجات الناجمة عن الإبادة في غزّة وآثارها على المدى الطويل.
كما تناولوا مواضيع متنوّعة أبرزها انعدام الأمن الغذائي وآثاره على الأطفال في غزة ومسألة التقنيات المبتكرة والتكنولوجيّات في السياقات الطارئة وتقديم استراتيجيّات فعّالة للتنمية الشاملة للأطفال الصغار في فلسطين، بالإضافة إلى وضع الحلول والعمل على الشراكات.
في أبرز الكلمات والمداخلات، شدّد المنسّق العامّ لـ«الشبكة العربيّة» د. غسان عيسى على أنّه برغم المآسي والإبادة فإنّ صمود الفلسطينيّين وقوّتُهم هو عنوان هذا المؤتمر، مشيرًا إلى جهود «الشبكة العربية» في هذا الإطار وعلى رأسها نداءات العمل المستندة إلى «اتفاقيّة حقوق الطفل»، بالإضافة إلى تشكيل خليّة طوارئ من الشبكات العربيّة والمجالس الوطنيّة المعنيّة بقطاع الطفولة من دولٍ عدّة. ووجّه عيسى الشكر إلى الجمعيّات العالميّة والشبكات الإقليميّة الصديقة التي ساعدت الشبكة في إيصال الصوت إلى مجتمع الطفولة المبكّرة ومقدّمي الرعاية في العالم.
وبيّن عيسى أهمية فهم التحدّيات وحجمها والتعرّف عن كثب على مبادرات صمود قطاع الطفولة المبكّرة في فلسطين، والأهمّ التضامن والدعم لإعادة إحياء غزّة بعد وقف إطلاق النار وتكشُّف الحجم الحقيقيّ للخسائر البشريّة والمادّيّة.
كما أكّد الأمين العامّ لـ«المجلس الوطني لشؤون الأسرة» د. محمد مقدادي، من جهته، أهمّية التركيز على ما يتعرّض إليه الأطفال خلال الأزمات وما لهم من حقوق وأبرز الاستراتيجيّات للتّعامل مع هذه الأزمات. وأوضح أنّ أهميّة اللّقاء تكمن في نقاشات ومباحثات الشبكات العربيّة والدوليّة، داعيًا إلى تكاتف الجهود الدوليّة لوقف الحرب وإعادة بناء ما دمّرته من مرافق صحّية وتعليمية وإنسانية.
إلى ذلك، شدّد مدير عام «مؤسّسة جذور» د.أميّة الخمّاش، بدوره، على ضرورة تكثيف الجهود الدوليّة لإنقاذ أطفال غزّة وتسليط الضوء على الأحداث التي يشهدها القطاع وما يتعرّض له الأطفال في فلسطين عمومًا. واستنكر انتهاك الاحتلال للمعايير الدوليّة واستهدافه المستمرّ للمدنيّين والأبرياء من أطفالٍ ونساء، والبنى التحتية والصحية.
واعتبرت رئيسة «تحالف السلام للطفولة المبكّرة» د. ريما صلاح أنّ الاستثمار في الطفولة المبكّرة يكون في الأمن والسلام المستدام وتقليل التهديدات التي يتعرّض لها الأطفال، مناشدةً بحماية الأطفال في مَواطن الصراع وتحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية الرعاية والحماية للأطفال.
ومن إيرلندا، دعت رئيسة «الشبكة الدوليّة لبناء السلام مع الأطفال الصغار» شيبون فيتزباتريك إلى وقف فوريّ لإطلاق النار، كما دعت المجتمعَ الدوليّ إلى «التزامه الثابت بشراكات قويّة لتنفيذ وتوسيع نطاق خدمات تنمية الطفولة المبكّرة التي تعزّز ثقافة السلام». وأكّدت فيتزباتريك الأهمّية الشديدة لمصطلح
«الصمود في عنوان المؤتمر»، مقدّمةً بعضَ الأفكار من التجربة الإيرلنديّة في ميدان دعم الطفولة المبكّرة على مستوى التشبيك وبناء العلاقات ووجود رؤية ونهج طويل المدى يلائم فترات الصراع الشديد وبناء السلام وحفظه وغيرها من التجارب الملهمة.
إلى ذلك، اقترح الأمين العامّ لـ«المؤسسة المغربيّة للنهوض بالتعليم الأوّلي» عزيز قيشوح تبنّي الشبكة العربيّة برنامجًا خاصًّا بغزّة تُعدّه خليّةُ أزمة، على أن يتناول أبعادًا ثلاثة هي:
وفي سياق الاستجابات ومتابعة الإبادة، تحدّثت ريم عثمان، منسّقة موقع «أرجوحة» التابع لـ«الشبكة العربية»، عن برنامجَي «أرجوحة» و«الصحة والتعلّم المبكّر والتربية والحماية للأطفال الصغار» HEPPP، مؤكدةً حرص البرنامجين على اعتماد النهج الشمولي التشاركي الدمجي. وأوضحت عثمان كيفية تعاطي «أرجوحة» خلال الأزمات عبر نشر الموقع، وبشكل مستمرّ، مقالات ومعلومات ونصائح وإرشادات يمكن اعتمادها خلال تلك الفترات، بالإضافة إلى إجابات بإمكان مقدّمي الرعاية تقديمها لأطفالهم تتعلّق بماهيّة الحرب والموت والاحتلال وغيرها من المسائل والاستفسارات التي قد يطرحها الأطفال.
ومن لبنان، عرضت ريتا كرم، الأمينة العامّة لـ«المجلس الأعلى للطفولة»، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، أوضاعَ الأطفال ومقدّمي الرعاية في ظلّ الحرب الإسرائيلية على جنوب البلاد. وبيّنت الصعوبات التي يعانيها الأطفال من دمار ونزوح ومحدوديّة الوصول إلى الرعاية الصحية المطلوبة وصعوبة التعلّم، وذلك في ظلّ وضع اقتصادي منهار تعاني منه البلاد في الأصل.
وحول الحرب وأثرها على فلسطين وأطفالها، أشار المدير العامّ لمؤسسة «التعاون» طارق امطيرة إلى وجود ما بين 19 و25 ألف طفل يتيم على الأقلّ في القطاع، موضحًا أنّ أكثر من نصفهم تقلّ أعمارهم عن 12 عامًا. وتحدّث امطيرة عن وجود العديد من الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم الممتدّة، مشيرًا إلى أنّ المئات من الأيتام كذلك فقدوا وثائقهم الرسمية خلال الإبادة. وحذّر امطيرة من أنّ نظام الدعم الحالي انهار بالكامل، عارضًا تدخّلات «التعاون» في هذا الإطار، وعلى رأسها مشروع كفالة الأيتام.
وأوضحت «مؤسسة جذور»، عبر مدير المشاريع في غزة د. يحيى عابد، التغيّر على مستوى التدخلات وطبيعة عمل المؤسسة بسبب ترك المنظمات الأجنبية لغزة والشمال تحديدًا، مشيرًا إلى توسيع عملها إلى خدمات الطوارئ والرعاية اليومية وحملات التطعيم والصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي والاهتمام بكبار السنّ.
ولم تغِبْ عن المؤتمر التحدياتُ الجسيمة التي تواجهها منظّمة «وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) وعلى رأسها ضعف الخدمات الصحية والنفسية وقلّة توفّر الأدوية. وفي السياق، أوضح رئيس برنامج الصحّة الميداني للمنظمة في الضفة الغربية د. رائد عمرو أنّ المنظّمة حاولت شراء الأدوية الضرورية من السوق المحليّة بأسعار مضاعفة، مشيرًا إلى أنّ المنظّمة تمكّنت أخيرًا من انتزاع قرار باستئناف الاستيراد من إسرائيل لكنّ الأدوية لم تصل بعد (حتى تاريخ نشر الخبر).
وتطرّق المؤتمر إلى مفهوم «نزع الطفولة» الذي توسّعت فيه البروفسورة نادرة شلهوب كيفوركيان، مشيرةً إلى استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطفولة كرأس مال سياسي، ومشدّدةً على ضرورة التفكير بمنهجيّات لتحدّي المنظومة التي توظّف «اللّاطفلَنة الاستعماريّة» كجزء من قائمة الموارد السياسيّة للدولة.
إلى ذلك، شدّدت مديرة «مركز الطفولة» نبيلة اسبانيولي على أهمّية النهج التحرّري للدعم النفسي الاجتماعي، موضحةً أنّه أكثر فعاليّة في ظلّ دعم مجتمعي، ومؤكدةً، في هذا الإطار، ضرورة الخروج من العمل الفردي نحو العمل الجماعي. كما تطرّقت اسبانيولي إلى مفهوم الصدمة في السياق الفلسطيني التي تكون مستمرّة ولها بُعد تاريخي وسياسي واقتصادي، بالإضافة إلى الذاكرة الجماعيّة الخاصّة بالصدمات وكيفيّة التعامل معها.
وشكّل المؤتمر كذلك مساحةً لتبادل الممارسات الفعّالة لدعم الأطفال الصغار في حالات الطوارئ والأزمات من بلدانٍ عدّة هي أوكرانيا عبر «منظمة خطوة بخطوة» (ISSA)، واليمن عبر «المجلس الأعلى للطفولة والأمومة»، والسودان عبر مؤسسة iACT وسوريا عبر «مؤسسة الآغاخان». ومن المشاركين في المؤتمر «برنامج الأغذية العالمي في الأردن»، ومنظمات «سيناريو» و«بلان إنترناشونال» و«أهلاً سمسم» و«صندوق إغاثة أطفال فلسطين» و«اليونيسف» وMoving Minds Alliance و«مركز الطفل السعيد الفلسطيني»، وInternational Board on Books for Young People (IBBY Palestine).
يمكنكم الاطّلاع على البيان الختامي للمؤتمر عبر الرابط الآتي