إعداد: قسم الإعلام والتواصل في «الشبكة العربية للطفولة المبكّرة»
(الاثنين، 15 تموز/يوليو 2024 )
يشهد العالم حاليًّا أكبر عدد من النزاعات منذ الحرب العالميّة الثانية. تُشكّل المنطقة العربيّة بؤرةً غزيرةً لهذه الأزمات والنزاعات والحروب، آخرها الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة المستمرّة في قطاع غزّة والحربُ الدائرة في السودان منذ أكثر من عام، ناهيك عن الصراع في الصومال والكوارث المناخيّة المتطرّفة التي شهدتها البلاد. في ظلّ هذه الأوضاع، يستمرّ انتهاكُ «اتفاقية حقوق الطفل» الموقّعة عام 1989 ببنودها كافّة. قتلٌ وتشويهٌ واستغلالٌ جنسيّ واعتداءاتٌ جنسيّة وتهجيرٌ وتجنيدٌ واعتداءٌ على المدارس والمستشفيات، وفقرٌ غذائيّ شديد يعاني منه طفل من بين كلّ 4 أطفال في العالم، يقبع قسمٌ كبيرٌ منهم في اليمن والصومال. ما كانت يومًا الاتفاقيةَ الأكثر تصديقًا عليها في تاريخ الاتفاقيّات المعنيّة بحقوق الإنسان، أضحت مسرَحًا للانتهاك الصارخ.
مَن يتابع التقارير الأمميّة المرتبطة بالأطفال في النزاعات المسلّحة، وأبرزها التقارير السنويّة التي تصدرها الأمانة العامّة للأمم المتحدة، يَلحظ الارتفاعَ المتزايد، عامًا بعد عام، في عدد الأطفال الذين يتعرّضون إلى انتهاكاتٍ تتعلّق بهذه النزاعات. تشمل هذه الانتهاكات قتلَ الأطفال وتشويههم وتجنيدهم واستخدامهم واختطافهم واغتصابهم وممارسة غير ذلك من أشكال العنف الجنسي ضدّهم، والاعتداء على المدارس والمستشفيات والأفراد المشمولين بالحماية ممّن لهم صلة بالمدارس و/أو بالمستشفيات.
العام الماضي، وثّقت الأمم المتّحدة وقوع 315 ألف انتهاك جسيم ضدّ الأطفال أثناء النزاعات في مختلف أنحاء العالم على مدى 17 عامًا، بين 2005 و2022. وبالمقارنة مع عام 2021، «ازداد خلال 2022 عددُ الأطفال الذين تمّ التحقّق من تضرّرهم من الانتهاكات الجسيمة بسبب النزاعات المسلّحة، وظلّ الأطفال يتضرّرون بشكلٍ غير متناسبٍ من تلك النزاعات»، وفقًا للأمم المتحدة. أمّا العام الماضي، فقد وصل العنف المرتبط بالنزاعات إلى مستوياتٍ قياسيّة بزيادة 21% في الانتهاكات الجسيمة. كما ارتفعت حالات القتل والتشويه بـ«نسبةٍ مذهلة»، وفق تعبير الأمم المتحدة، بلغت 35%. وبينما كانت الأمم المتّحدة قد تحققت من وقوع 27 ألفًا و180 انتهاكًا جسيمًا خلال 2022، ارتفع عدد الانتهاكات الجسيمة التي وقعت عام 2023، أو ارتُكبت في وقتٍ سابقٍ وتمّ التحقّق منها العام الماضي، إلى 33 ألفًا. أتى ذلك في التقرير الأخير المرتبط بوضع الأطفال في النزاعات المسلّحة والذي غطّى الفترة الممتدّة من كانون الثاني/ يناير إلى كانون الأول/ ديسمبر 2023 وصدر في حزيران/ يونيو 2024. وهذا إن دلّل على شيء، فعلى الخطّ التصاعديّ للانتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال في هذا السياق.
وفي وقتٍ توثّق الأمم المتّحدة انتهاكاتٍ جسيمةً بحقّ الأطفال في دول عربيّة عدّة هي العراق (الذي يؤكد التقرير الجديد عدم وجود حالات مؤكدة فيه تتعلّق بالتجنيد والاستخدام ومنع إيصال المساعدات الإنسانية)، وليبيا ولبنان وجنوب السودان، تحوز فلسطين المحتلّة، قطاع غزّة تحديدًا، والسودان والصومال على اهتمامٍ خاصّ نظرًا إلى الحروب والظروف المأساويّة المتصاعدة التي تعيشها تلك الدول.
غير أنّ المعلومات لا تحيط بجميع الانتهاكات المرتكَبة بحقّ الأطفال، بل تبيّن فقط ما تحقّقت منه الأمم المتحدة. يأتي التوثيق بينما يعمل مراقبو هذه الانتهاكات، منذ سنوات، وسط ظروفٍ قاهرة. تتراوح هذه الظروف بين صعوبة وصولهم إلى المناطق المتأثّرة والقيود المفروضة لمنع هذا الوصول، وحالات الاعتداء أو التهديد بالاعتداء عليهم، ما يشكّل عبئًا على قدرات الرصد.
يشكّل قطاع غزّة مثالاً صارخًا على صعوبة التحقّق من هذا النوع من الانتهاكات وذلك لأسبابٍ عدّة أبرزها:
السياسة الإسرائيليّة المتّبعة منذ عقود بحصار قطاع غزّة وفرض قيودٍ على حركة الحقوقيّين ممّا يؤثّر على توثيق الانتهاكات.
إسرائيل على «اللائحة السوداء» وتوثيقُ انتهاكاتها شبه مستحيل
في سياق إدراج إسرائيل من قِبل الأمم المتّحدة ضمن «اللائحة السوداء» للدّول والمنظّمات التي تُلحق الأذى بالأطفال، وضَع الأمين العامّ للأمم المتّحدة «القوّات العسكرية والأمنية الإسرائيلية» على القائمة الملحَقة بالتقرير لارتكابها أعمال قتل وتشويه للأطفال وشنّ هجمات على المدارس والمستشفيات. تكمن أهمّية ذلك في حصوله للمرّة الأولى منذ صدور التقارير السنويّة- بعد امتناعٍ لسنوات- معطوفًا على توجّهٍ قضائيّ دوليّ لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ممثّلاً بـ«محكمة العدل الدولية» و«المحكمة الجنائيّة الدولية».
بحسب الأمم المتحدة، «يشكّل النزاع (الحاليّ) حالةً غير مسبوقة من حيث نطاق الانتهاكات الجسيمة المرتكَبة بحقّ الأطفال وحدّتها، حيث أدّت الأعمال العدائيّة إلى زيادة الانتهاكات بنسبة 155%». في الإطار، تشير الأمم المتّحدة إلى استشهاد أكثر من 2200 طفل فلسطيني وتشويه حوالي 1900 (حتى نهاية 2023). وقد فاق عدد الشهداء حتى مطلع تموز/ يوليو من العام الحاليّ 38 ألفًا، حوالي 16 ألفًا منهم من الأطفال، والجرحى 92 ألفًا، بحسب «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، بينما يرفع «المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان» رقم الضحايا إلى أكثر من 45 ألفًا. ويشير قطاع تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة في شبكة المنظّمات الأهليّة الفلسطينية إلى وجود 10 آلاف حالة إعاقة في قطاع غزّة نصفها من الأطفال بسبب العدوان، حتّى نهاية حزيران/ يونيو الحالي.
ويحوز استهداف المدارس والمستشفيات والبنى التحتيّة ومرافق المياه والصرف الصحّي والمطاحن والمخابز ومنشآت الأمم المتحدة ومنع المساعدات الإنسانيّة في القطاع على اهتمام الأمم المتحدة. والأهمّ، خطر المجاعة وسوء التغذية الحادّ الذي تسبّب حتّى مطلع شهر حزيران/ يونيو بوفاة 37 فلسطينيًّا، أغلبهم من الأطفال. ناهيك عن مواجهة حوالي نصف مليون فلسطيني، بينهم أطفال، خطرَ المجاعة وفقًا للأرقام الصادرة عن «التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي» (IPC) في 25 حزيران/ يونيو 2024. باختصار، يعاني 9 من كلّ 10 أطفال في قطاع غزّة من فقرٍ غذائيّ شديد ويعيشون على تناول أغذية من مجموعتين أو أقلّ من المجموعات الغذائيّة يوميًّا، وذلك وفق بيانات لـ«اليونيسف» نُشرت في 6 حزيران/ يونيو 2024.
على الرغم من فظاعة البيانات، لا تعكسُ أرقامُ الانتهاكات بحقّ الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية التي توثّقها الأمم المتّحدة حقيقةَ الوضع، فالصورة أكثر قتامةً بأشواط. والسبب، «التحدّياتُ الشديدة التي تعرقل إمكانية الوصول، لا سيّما في قطاع غزة»، وفق تعبير الأمم المتحدة نفسها.
في الأرقام، سجّل عام 2023 أعلى حصيلة شهداء بين الفلسطينيين منذ نكبة 1948 وفق «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني» فاقت 22 ألفًا أغلبهم من النساء والأطفال. وقد رافقت ذلك، بطبيعة الحال، انتهاكاتٌ جسيمةٌ متنوّعةٌ بحقّ الأطفال. وسط هذا الواقع، وثّقت الأمم المتحدة العام الماضي انتهاكاتٍ بحقّ حوالي 4 آلاف فلسطينيّ فقط وفق ما تمكّنت، مع إشارتها إلى حالات إبلاغٍ تتعلّق بأكثر من 19 ألف طفل فلسطيني لم يتمّ التحقّق منها بعد.
أسبابٌ كثيرةٌ تعقّد توثيقَ الانتهاكات أو تمنعه. يشكّل الاستهدافُ الإسرائيليّ الأوّلُ من نوعه في الحجم والكثافة للمراكز الإنسانية الدولية والعاملين فيها والجهات الفاعلة في العمل الإنسانيّ السببَ المباشر والأكثر وضوحًا لذلك. على أنّ تقييد حركة الحقوقيّين بما يؤثّر على توثيق الانتهاكات الإسرائيليّة في الحرب الحاليّة يأتي في سياق سياسةٍ إسرائيليّةٍ متَّبعة منذ عقود. ولطالما تعرّضت هذه السياسة وهذا التقييد إلى نقدٍ وهجومٍ من قِبل منظماتٍ حقوقيّة وإنسانيّة، محليّة ودوليّة.
عام 2017، تناولت منظمة «هيومن رايتس ووتش» القيودَ الإسرائيلية المتزايدة، على مدى 25 عامًا، على حركة موظّفي المنظمات الحقوقيّة من غزّة وإليها. شرحت المنظّمة حينها أنّه «على الرغم من أنّ إسرائيل تستثني بعضَ الحالات من حظر السفر- ما تسمّيه أسبابًا إنسانيّة- فإنّ القاعدة العامّة تبقى أنّها لا تسمح للفلسطينيّين والإسرائيليّين والموظّفين الأجانب في منظّمات حقوق الإنسان الدوليّة بدخول غزّة والخروج منها». وانتقدت المنظمة تبريراتِ الحكومة الإسرائيليّة لهذه القيود المتعلّقة بـ«تهديد أمن إسرائيل» واقتصار الالتزامات الإسرائيليّة تجاه غزّة على «العبور في الظروف الإنسانيّة الاستثنائيّة، وسفرُ موظّفي حقوق الإنسان لا يُعتبر ظرفًا استثنائيًّا». كما أشارت إلى أنّ «موظّفي حقوق الإنسان في المنظّمات الأجنبيّة والإسرائيليّة يُمنعون اعتياديًّا من دخول غزّة، ما يحدّ من قدرتهم على تحديد انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ويُمنع الخبراء من تطبيق معارفهم المختصّة في أعمال البحث والتوثيق المتعلّقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما فيها جرائم الحرب المحتملة».
في الإطار القانونيّ، أوضحت «هيومن رايتس ووتش» أنّ هذه القيود «تتجاوز بكثير ما يَسمح به القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان». وشدّدت على أنّه «مع استمرار تحكّم إسرائيل بالعديد من مناحي الحياة في غزّة، تستمرّ التزاماتها بموجب قانون الاحتلال في المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصّةً تسهيل حركة الأشخاص والبضائع»، وأنّ «إسرائيل ملزَمة بموجب قانون الاحتلال، كما تنصّ عليه المادّة 43 من لوائح لاهاي، بالسماح بعمل المجتمع المدني، بما يشمل النشاطات والمنظمات الحقوقيّة».
أطفال السودان: قتلٌ وتشويهٌ غير مسبوقَين
في السودان الذي يرزح تحت وطأة الاقتتال منذ 15 نيسان/ أبريل 2023، ارتفعت الانتهاكات الجسيمة ضد أطفاله بنسبة 480%، خلال العام الماضي. يذكر الأمين العامّ في تقريره أنّ الأطفال في السودان قُتلوا وشُوّهوا بمستوياتٍ غير مسبوقة في الأزمة المدمّرة، بما في ذلك عبر استخدام الأسلحة المتفجّرة ذات الآثار واسعة النطاق المكانيّ. ولم يتجاوز عمر بعض الأطفال من الضحايا عامًا واحدًا. في السياق، تشير منظمة «أنقِذوا الأطفال» إلى أنّ عدد الأطفال الذين قُتلوا أو أصيبوا أو واجهوا انتهاكاتٍ جسيمة في السودان ارتفع ستة أضعاف ليسجّل العام الماضي مستوًى قياسيًّا.
تشير الأرقام الصادرة أخيرًا إلى تَحقّق الأمم المتحدة من وقوع 1721 انتهاكًا جسيمًا بحقّ 1526 طفلاً، في ارتفاعٍ كبيرٍ عن حصيلة عام 2022 البالغة 306 انتهاكات، أي ما يفوق خمسة أضعاف. إلى جانب القتل والتشويه، توثّق الأمم المتّحدة حالات تجنيد الأطفال واستخدامهم وحالات العنف الجنسي والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات وتدهور الحالة في ما يتعلّق بإيصال المساعدات الإنسانيّة. وتُعتبر أرقام الانتهاكات الأعلى في البلاد منذ عام 2006 عندما بدأت الأمم المتّحدة بجمع المعلومات بشكلٍ ممنهجٍ حول الانتهاكات الجسيمة الستّة المرتكَبة بحقّ الأطفال في الصراعات.
إلى ذلك، يشكّل تصاعد العنف القبليّ في السودان هاجسًا لدى المنظمات المهتمّة بقضايا الأطفال. في الإطار، يبدي الأمين العامّ للأمم المتحدة قلقًا بالغًا، بما في ذلك الهجمات ذات الدوافع العرقيّة والنزوح الجماعي للأطفال. والجدير بالذكر أنّ السودان يعاني من أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم. وقد وصل عدد النازحين داخليًّا في البلاد إلى أكثر من 10 ملايين شخص، وفق «المنظمة الدولية للهجرة» في حزيران/ يونيو 2024.
أطفال الصومال في مرمى النّزاعات والكوارث الطبيعيّة
إلى جانب الصراع المسلّح الدامي، واجه الصومال بين 2020 و2023 أطول فترة جفاف في تاريخه الحديث محدثةً خطرًا وشيكًا للمجاعة، تلتْها، نهاية 2023، أسوأ فيضانات شهدتها البلاد منذ عقود. أرخت هذه الظروف المأساويّة مجتمعةً على أوضاع الأطفال في الصومال، فكان الأخير من بين الدول التي سجّلت أعلى عددًا من الانتهاكات الخطيرة المرتبطة بالنزاعات بحقّ الأطفال خلال العام الماضي.
في المجمل، تحقّقت الأمم المتحدة من وقوع 2283 انتهاكًا جسيمًا بحقّ 1802 من الأطفال. في التفاصيل، توزّعت الانتهاكات على القتل والتشويه (629 طفلاً) والتجنيد والاستخدام (658 طفلاً) والاحتجاز (278 طفلاً) والاختطاف (719 طفلاً)، بالإضافة إلى الهجوم على المدارس والمستشفيات ومنع إيصال المساعدات. إلى ذلك، تمكّنت الأمم المتّحدة من التحقق من تعرّض 197 فتاةً إلى الاغتصاب وإلى أشكالٍ أخرى من العنف الجنسي على أيدي جهاتٍ عدّة.
على المستوى الغذائيّ المرتبط بشكلٍ كبيرٍ بالنزاعات والكوارث الطبيعية وانعدام المساواة، يعيش 63% من أطفال الصومال في فقر غذائيّ شديد وفي مجتمعاتٍ محليّة شديدة الضعف. كما أنّ أكثر من 80% من القائمين على رعاية الأطفال أفادوا بأنّ أطفالهم لم يتمكّنوا من تناول الطعام لمدّة يوم كامل. أتى ذلك في تقريرٍ صادرٍ عن «اليونيسف» في حزيران/ يونيو 2024، بعنوان «الفقر الغذائيّ لدى الطفل: الحرمان من التغذية في مرحلة الطفولة المبكّرة». يحلّل التقرير، وللمرّة الأولى، تأثيرات الحرمان الغذائيّ وأسبابه بين الناس الأصغر سنًّا في العالم في حوالي 100 بلد، وعبر فئات الدخل المختلفة. ويكشف رقمًا مرعبًا حول عدد الأطفال في العالم دون سنّ الخامسة الذين يعانون من فقر غذائي شديد يبلغ 181 مليونًا، ممّا يزيد من احتمال معاناتهم من الهُزال بنسبة 50%. في الصومال وحده 1.7 مليون طفل دون سنّ الخامسة يعانون من سوء التغذية الحادّ، بمن فيهم 430 ألفًا يعانون من سوء التغذية الحادّ الوخيم، وذلك وفق تقريرٍ لـ«منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتّحدة» (الفاو) حول الاحتياجات الإنسانيّة وخطّة الاستجابة في الصومال لعام 2024.
«سلاح العنف الجنسيّ» ضدّ الأطفال
يُعتبر العنف الجنسي ضدّ الأطفال أحد أبرز الأشكال المستخدمة في الحروب والنزاعات. وبسبب الوصمة الاجتماعيّة المرتبطة بهذا النوع من الانتهاكات والخوف من الانتقام والأعراف الاجتماعيّة المؤذية، هناك نقصٌ شديدٌ في معدّلات الإبلاغ عنه.
من هذه الخلفيّة التي يصعب معها تحديدُ العدد الفعليّ للأطفال المرتكَبة بحقّهم انتهاكاتٌ جنسيّة، تنطلق المنظّمات الدوليّة والإنسانيّة في التوثيق. تشمل هذه الانتهاكات الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإتجار الجنسيّ والدعارة القسريّة والتزويج والحمل القسريَّين والتعقيم القسري والاستغلال الجنسي والاعتداء على الأطفال. وفي بعض الحالات، يُستخدم العنف الجنسيّ لإهانة السكّان عمدًا أو لإجبار الناس على ترك منازلهم.
وعلى الرغم من تقلّب عدد الأطفال المعرّضين لخطر العنف الجنسيّ المرتبط بالنزاعات على مرّ السنوات، يبدو الاتجاه التصاعديّ واضحًا للغاية. وقد بلغ عدد الأطفال المعرّضين لهذا الخطر عام 2021 عشرة أضعاف ما كان عليه عام 1990، وفق منظمة «أنقِذوا الأطفال» في دراسةٍ نُشرت عام 2021. كما لاحظت المنظمة، أنّه «خلال السنوات الأخيرة، نسبة أكبر من الجهات الفاعلة المسلّحة التي ترتكب أعمال العنف الجنسي ترتكبها ضدّ الأطفال أيضًا».
وبينما أفادت الأمم المتّحدة سابقًا بانخفاض حالات هذا النوع من العنف بحقّ الأطفال عام 2022 بنسبة 12%، ارتفعت عام 2023 نسبة الحالات المؤكّدة لتبلغ 50% بشكل عامّ، و25% بحقّ الأطفال، وفق إحصائيّات الأمم المتّحدة. يرتبط هذا الارتفاع ارتباطًا وثيقًا بـ«اندلاع النزاع وتصاعد حدّته ضدّ المدنيّين الذي يؤجّجه انتشارُ الأسلحة وزيادةُ العسكرة»، وذلك وفق آخر تقارير الأمين العامّ للأمم المتّحدة حول العنف الجنسيّ في حالات النزاع التي يقدّمها منذ عام 2009.
تتعرّض النساء والفتيات بشكلٍ أكبر إلى العنف الجنسيّ المرتبط بالنزاعات، خصوصًا «المشرّدات واللاجئات والمهاجرات» من بينهنّ في جنوب السودان والصومال وليبيا واليمن، وفق الأمم المتحدة. بحسب أرقام «اليونيسف»، كانت الفتيات ضحايا في 97% من الحالات خلال الفترة الممتدّة بين 2016 و2020. وبينما «تعرّض الفتيان بوتيرةٍ أكبر إلى أعمال التجنيد والاستخدام وممارسات القتل والتشويه في 2023، كانت أعمال العنف الجنسي المتصل بالنزاع المرتكب بحقّ الفتيات أكثر بكثير»، وفق تقرير الأمم المتّحدة. غير أنّ ذلك لا يقلّص من خطورة العنف الجنسي على الفتيان، فبينما «ارتُكبت 90% من حالات العنف الجنسيّ ضدّ الفتيات (عام 2023)، ارتفع عدد ضحايا الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسيّ بين الأولاد (الفتيان) بنسبة 25%»، وذلك بحسب الممثّلة الخاصة للأمم المتّحدة المعنيّة بالعنف الجنسي أثناء الصراعات براميلا باتن.
إلى ذلك، «ساهم انتشار الأسلحة في تهيئة بيئة مؤاتية لارتكاب العنف الجنسي مع الإفلات من العقاب». وبحسب البحوث التي أجرتها الأمم المتّحدة، والتي تتوفّر فيها بيانات، ينطوي زهاء 70 إلى 90% من حوادث العنف الجنسي المتّصل بالنزاع على أسلحة صغيرة وخفيفة». كما تؤكّد الأمم المتّحدة تزامن منع إيصال المساعدات الإنسانيّة مع تفاقم الانتهاكات الجسيمة من بينها العنف الجنسي. وقد ارتفعت حوادث منع إيصال المساعدات عام 2023 التي تحقّقت منها الأمم المتحدة أكثر من 32%.
ما سبق لمحةٌ بسيطةٌ ممّا يعانيه الأطفال في البلدان العربيّة نتيجة الحروب والصراعات المسلّحة. وفي عالمٍ يسير باتّجاه انتشار التسلّح وتفاقم العسكَرة والنزاعات المسلّحة، تسير انتهاكاتُ حقوق الأطفال الصغار، خصوصًا في البلدان العربيّة، في المنحى نفسه. ومن دون عملٍ جادّ وموجّه نحو حماية الأطفال الصغار في هذه النزاعات، فإنّ طفلاً لن تقتله الرصاصة قد يموت بأشكالٍ أخرى.