لا يمكن متابعة الإبادة الإسرائيليّة على قطاع غزة وأثرها على الطفولة المبكّرة من دون دراسة تأثيراتها من منظور النوع الاجتماعي. وفقًا لهذا المنظور الذي تنضوي تحته الأدوارُ الاجتماعيّة التقليديّة وغيرُها من العوامل التي يتسبّب بها الاحتلال الإسرائيليّ ويعزّزها، تتفاوت نتائجُ الحرب وتبِعاتها. أكثر من 70% من ضحايا الحرب الحاليّة على القطاع من النساء والأطفال. مؤسساتٌ إنسانيّة دوليّة وصفت غزّة بأنها أصبحت مقبرة للنساء والفتيات، وهيئاتٌ أمميّة، على رأسها «هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة»، اعتبرت أنّ الحرب على غزّة حربٌ على النساء. والحربُ على النساء تشمل البيئة المحيطة بالطفل، من أمّهاتٍ ومقدّمات رعاية وحوامل ومرضعات، كما أنّها تضع عبئًا إضافيًّا على معيلي الأسر ومقدّمي الرعاية للأطفال انطلاقًا من الدور الاجتماعي التقليدي للمعيل. ومع تجاوز الإبادة الجماعيّة الإسرائيلية على قطاع غزة شهرَها السابع، تتكثّف التقارير والدراسات المتخصّصة، الصادرة عن مؤسساتٍ ومراكز أبحاث محلّية وإقليميّة ودوليّة، والتي تتناول تداعيات الحرب من منظور النوع الاجتماعي. فكيف يبدو أثر الحرب من هذا المنظور؟ وما التّداعيات المروّعة على النساء والفتيات تحديدًا وارتباطها بقطاع الطفولة المبكّرة ككلّ؟
مصدر الصورة: بلال خالد
الحرب على النساء والحماية المتعلّقة بالنوع الاجتماعي
وفق تقديرات «هيئة الأمم المتّحدة لشؤون المرأة» مطلع شهر نيسان/ أبريل، قتلت الحربُ الإسرائيليّة بعد مرور ستّة أشهر على بدئها، أكثرَ من 10 آلاف امرأة في غزّة، من بينهنّ نحو 6 آلاف من الأمّهات تركن وراءهنّ حوالي 19 ألف طفل يتيم. أتت تلك التقديرات في وقتٍ كان يبلغ عدد شهداء القطاع 33,207، وفق وزارة الصحة الفلسطينية. وبينما تجاوز عدد الشهداء اليوم، بعد انقضاء سبعة أشهر على الحرب، 35 ألفًا و500 وفق «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، و43 ألفًا و600، بحسب «المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان»، وعدد المفقودين من النساء والأطفال 4700، فإنّ عدد النساء والأمّهات اللّواتي استشهدن، وتاليًا الأطفال الأيتام، يكون قد ارتفع منذ ذلك الحين. (في 1 أيار/ مايو ذكر الدفاع المدني الفلسطيني وجود أكثر من 10 آلاف مفقود تحت الأنقاض. وكان «المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان» تحدّث في 10 نيسان/ أبريل عن 13 ألف طفل فلسطيني).
في الأرقام أيضًا، كانت «هيئة الأمم المتّحدة لشؤون المرأة» ذكرت في كانون الثاني/ يناير من العام الحاليّ أنّ 2 من الأمّهات في قطاع غزّة يَستشهدن كلّ ساعة. استندت إحصاءات الهيئة إلى عدد النساء الشهيدات في القطاع وفق «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية» OCHA الصادر في 8 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023 والذي أفاد حينها باستشهاد 5153 امرأة. وباعتماد المعادلة نفسها، تشير الحسابات المستندة إلى استشهاد 10 آلاف امرأة حتى 9 نيسان/ أبريل 2024 إلى استشهاد أمّ كلّ ساعة في القطاع. ومن المرجّح أن يكون المعدّل قد ارتفع حتّى تاريخ إصدار التقرير.
في السياق، ذكر «المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان»، في ذكرى مرور 200 يوم على الحرب الإسرائيلية، أنّ «إسرائيل تقتل يوميًّا 79 طفلاً و50 امرأة، وهي أرقام مرعبة وغير مسبوقة في سياق الحروب المعاصرة». ووفق هذه الحصيلة، يستشهد ثلاثة أطفال وامرأتان كلّ ساعة. يأتي ذلك بينما لا يتمكّن معظم المصابين من الحصول على العلاج والرعاية الطبّية اللازمة. ويتجاوز عدد المصابين 83 ألفًا، منهم ما لا يقلّ عن 11 ألف حالة خطيرة تتطلّب السفر لتلقّي العلاج في ظلّ تدمير إسرائيل للقطاع الصحّي في القطاع.
ما سبق ليس مجرّد أرقامٍ مؤسفة، فمن شأن ارتفاع عدد وفيّات الأهل وتغيير نمط الخسائر في الأرواح الذي ترصده الأمم المتحدة التأثير على ديناميكيّات السلطة والعلاقات القائمة على النوع الاجتماعي لارتباط هذه الديناميكيّات بالأدوار الاجتماعيّة التقليديّة. وآثار هذا التغيير على الطفولة مرتبطة كذلك بالدور التقليدي للمعيل في غزّة الذي يضع على عاتق المرأة المهامّ المنزليّة وتقديم الرعاية للأطفال، بينما يَطلب من الرجل إعالة الأسرة مادّيًّا (من دون أن يحصرهم بذلك بالضرورة). يأتي هذا في وقتٍ أصبح عددٌ كبيرٌ من النساء، ومن بينهنّ كبيرات في السنّ، معيلاً لأسرته ويتعرّض إلى العرقلة والخطر وانعدام المساواة لدى محاولة الحصول على المساعدات.
في هذا السياق، تشرح «هيئة الأمم المتّحدة لشؤون المرأة» أنّ «فقدان الوالدَين أو المعيل يؤدّي إلى تغييراتٍ في تكوين الأسرة مثل التحوّل من الأسر النواة والأسر الممتدّة الغالبة إلى الأسر الممتدّة للغاية. وعلى ضوء ذلك، تخشى النساء من أنه في ضوء نقص الغذاء وإغلاق المدارس وفقدان الفرص التعليمية، ستلجأ الأسر إلى آليّاتٍ عصيبة للتأقلم مثل التزويج المبكّر، خاصّةً في ظلّ ارتفاع عدد الفتيات الصغيرات اللواتي فقدن أحدَ الوالدَين أو كليهما».
وتخلص الهيئة إلى أنّ النساء والفتيات يتعرّضن إلى سلبيّاتٍ إضافيّة بسبب عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي في الوصول إلى الإمدادات والخدمات والموارد. وينطبق هذا الأمر بشكلٍ خاصّ على الأسر التي ترأسها النساء والتي تتزايد أعدادها مع ارتفاع عدد الشهداء من المعيلين الذكور للأسَر.
كما توضح أنّه لا توجد حاليًّا أماكن آمنة للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي تعمل بالقدر الكافي. ومع استمرار الحرب، تتزايد التوتّرات داخل الأسر والمجتمعات المحليّة، ممّا يزيد بدوره المخاوف من مخاطر الحماية المتعلّقة بالنوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي.
في السياق، إنّ تغيّر نمط الخسائر في الأرواح الذي سجّلته الأمم المتحدة من 14% من النساء والفتيات الشهيدات بين عامَي 2008 و7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى70% من النساء والأطفال بعد هذا التاريخ، يعني انتقال مهامّ الرعاية المنزليّة للأطفال إمّا إلى الرجل داخل الأسرة أو إلى الأسرة الممتدّة. وهذا قد يحمل مخاطرَ محتملة على الفتيات خصوصًا، وصعوباتٍ تقع على كاهل الأب.
وبينما كان في الأصل عددٌ قليلٌ من النساء في غزّة يملكن دخلاً قبل الحرب، أصبحت هذه المجموعة أصغر، في وقتٍ خسر عددٌ من النساء اللّواتي يعملن من داخل المنزل أماكن عملهنّ بسبب تدمير الوحدات السكنيّة.
مصدر الصورة: بلال خالد
أَسرٌ وتعذيب
بينما تعيش الفلسطينيّات في غزّة وسط أسوأ الظروف، تتعرّض نساءٌ وأمّهاتٌ من القطاع إلى حملات اعتقالاتٍ تعسّفيّة. وكان «نادي الأسير الفلسطيني» أصدر ورقة حقائق عشيّة «يوم الأسير الفلسطيني» في 17 نيسان/ أبريل 2024، أشار فيها إلى أنّ المعطيات التي قدّمها حول عدد المعتقلات لا تشمل «الأسيرات من غزّة المحتجزات في المعتقلات». ويرجع ذلك إلى صعوبة إحصاء الأعداد في ظلّ استمرار الحرب والإخفاء القسريّ.
وتتعرّض الأسيرات إلى انتهاكاتٍ جسيمة. في الإطار، تشير مؤسساتٌ محليّة ودوليّة إلى تلقّيها عشرات الإفادات من أسرى ومعتقلين مفرَج عنهم، بمن فيهم نساء وأطفال، عن تعرّضهم لأصنافٍ غير مسبوقة من الانتهاكات والضرب، بما في ذلك التعذيب المُفضي إلى الموت والحرمان من العلاج وترك ندوب فارقة، والتعرية الجسدية والتحرّش والعنف الجنسيّ.
وقد وثّق «المرصد الأورومتوسّطي» تعرّض معتقلاتٍ من قطاع غزّة، ومنهنّ أمّهات، إلى العنف الجنسيّ والتعذيب والمعاملة اللّاإنسانية من خلال التعرية والتحرّش الجنسيّ والتهديد بالاغتصاب، بالإضافة إلى تهديدهنّ بشكل متواصل بحرمانهنّ من رؤية أطفالهنّ. وأوضح المرصد أنّ الوصول إلى العدد الدقيق أو الحجم الفعليّ لمدى ممارسة تلك الانتهاكات ضدّ النساء والفتيات الفلسطينيّات من المرجّح، إنْ تحقّق، أن يأخذ وقتًا أطول.
لمعاناة النّزوح المريرة كذلك أثرٌ مختلفٌ، من نواحٍ عدّة، تبعًا للنّوع الاجتماعي. بينما تعرّضت غالبيّة السكّان إلى النزوح القسريّ الداخليّ بما فاق مليونَي نسمة، وقد نزح العديد منهم مرّاتٍ عديدة، والكثيرون سيرًا على الأقدام، تتعرّض النساء والأمّهات والحوامل والمرضعات ومقدّمات الرعاية إلى خطر الاعتقال التعسّفيّ والمضايقة أثناء النزوح، وحرمانهنّ من أطفالهنّ لأوقاتٍ طويلة، ما يخلّف أثرًا نفسيًّا ورعائيًّا كبيرًا على الطفل وعلى من تنتقل إليه مسؤوليّة تقديم الرعاية. وينعكس الدور الاجتماعيّ كذلك في مسألة النزوح لدى العديد من الحالات، فـ«نساء العائلة غالبًا هنّ من يبقين مع الأقارب والمسنّين أو الأفراد من ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون التحرّك».
مصدر الصورة: بلال خالد
أثر «شحّ الموارد والخوف» من منظور النوع الاجتماعي
في ظلّ الظروف الصحيّة المتدهورة وانتشار الأوبئة والأمراض وارتفاع عدد الوفيّات على إثرها، تتصدّر أزمة المياه والصرف الصحّي وارتباطهما الوثيق بالصحّة البدنيّة والنظافة الصحيّة لائحة أبرز الأزمات التي توثّق انعدام المساواة القائمة على النوع الاجتماعي. في تحليلٍ بعنوان «شحّ الموارد والخوف»، من ضمن سلسلة نشرات متعلّقة بالنوع الاجتماعي، تنطلق «هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة» من محدوديّة وصول النساء والفتيات إلى خدمات المياه والصرف الصحّي والنظافة للإضاءة على التأثير القائم على النوع الاجتماعي.
أزمة المياه في غزّة سابقة على الحرب الحاليّة. في دراسةٍ تغوص في آثار حرب 2023- 2024 على المياه والصحّة في غزة، يشير «مركز جنيف للمياه» إلى الآثار الضارّة والتراكميّة على خدمات المياه والصرف الصحّي للحروب التي شنّتها إسرائيل على القطاع خلال السنوات الماضية. ويوضح أنّ معظم المياه التي يتمّ ضخّها من طبقة المياه الجوفيّة في غزّة غير صالحة للشرب بسبب المستويات العالية جدًّا من النترات والكلوريدات والملوحة. ووفق «هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة»، لطالما كان الوصول إلى المياه في القطاع محدودًا بالفعل ولفترة طويلة قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر نتيجة عقودٍ من الاحتلال الإسرائيلي.
وبالفعل، تمّ الإبلاغ عن الأمراض المرتبطة بالمياه باعتبارها الأسباب الرئيسية لإصابة الأطفال بالأمراض في قطاع غزة قبل الحرب الحاليّة.
غير أنّ الإبادة الحاليّة ضاعفت المأساة. وفق تقرير «هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة»، أصبح مستوى إمداد المياه في قطاع غزة يصل إلى 7% مقارنةً بمستواه قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر. كما أصبح الناس في غزّة يلجؤون إلى استخدام آبار زراعيّة مالحة تبلغ ملوحتها 30 مرّة أكثر من المياه العاديّة، ممّا يزيد من خطر التداعيات الصحية الفوريّة، لا سيّما بالنسبة إلى الرضّع والحوامل ومرضى الكلى. ولمضاعفة المأساة، ما زال الكلور، وغيرُه من السلع التي من شأنها أن تجعل المياه صالحة للشرب، على قائمة الموادّ «المرفوضة» التي تسمح إسرائيل لوكالات الإغاثة بإدخالها إلى غزّة. وما زالت السلطات الإسرائيلية ترفض تسليم حتى المياه المعبّأة في زجاجات، خاصّةً إلى شمال القطاع، وفق تأكيد «مركز جنيف للمياه».
آثارُ هذا الواقع على الأطفال الصغار مدمّرة. حاليًّا، هناك في غزّة أكثر من 337 ألف فتاة وفتًى دون سنّ الخامسة معرّضون بشكل خاصّ لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه. وفي السياق، يثير «مركز جنيف للمياه» مسألة خطر امتزاج مياه الشفة مع مياه الصرف الصحّي وآثاره، متحدّثًا عن أكثر الأمراض الناتجة عن ذلك إثارةً للقلق منها الإسهال (مثل الزُّحار) والحمّى المعويّة (مثل التيفوئيد)، ومتلازمة اليرَقان الحادّة (مثل التهاب الكبد أ)، والأمراض الجلديّة مثل الجرَب والقمل.
أمّا النساء والفتيات فيشعرنَ، بشكلٍ غير متناسب ومتكافئ، بتأثير عدم كفاية المياه والنظافة الشخصيّة بشكلٍ عامّ. تواجه هذه الشريحة تحدّياتٍ خاصّة عند الوصول إلى موارد المياه الشحيحة. في هذا الإطار، يحذّر تقرير «شحّ الموارد والخوف» من أنّ النساء والفتيات يواجهنَ خطرًا متزايدًا للتعرّض إلى التهاب الكبد أ وذلك بسبب أدوارهنّ التقليدية في الرعاية، بمن فيهم أفراد الأسر المرضى. كما أنّ 91% من النساء، من بينهنّ أمّهات وحوامل ومقدّمات رعاية، لا يستطعنَ تلبية احتياجاتهنّ المتعلّقة بالنظافة الشخصيّة والدورة الشهريّة.
وبحسب أرقام «صندوق الأمم المتّحدة للسكّان»، هناك أكثر من 690 ألف امرأة ومراهقة في سنّ الحيض داخل غزّة جميعهنّ يواجهن محدوديّة الوصول إلى منتجات النظافة الخاصّة بالدورة الشهرية، بالإضافة إلى النقص في مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصيّة.
ويُعَدّ الحصول على المياه النظيفة والغذاء المناسب أمرًا بالغ الأهمية، لاسيّما للمرضعات والنساء الحوامل، اللّاتي يحتجنَ يوميًّا إلى استهلاك كميات أكبر من المياه والسعرات الحرارية مقارنةً بغيرهنّ.
وفق «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» UNDP، تحتاج النساء والحوامل والمرضعات إلى 7.5 ليتر يوميًّا للحفاظ على صحّتهنّ وصحّة أطفالهنّ، وهو ما يعادل خمسة أضعاف كمية المياه المتوفّرة حاليًّا. ووفقًا للمعايير الإنسانية، يبلغ الحدّ الأدنى لكمّية المياه المطلوبة في حالات الطوارئ 15 ليترًا، وهذا يشمل مياه الشرب والغسل والطهي. وللبقاء على قيد الحياة، يُقدَّر الحدّ الأدنى بثلاثة ليترات يوميًّا.
غير أنّ النساء والحوامل والمرضعات في القطاع يواجهنَ صعوباتٍ جسيمةً في هذا الإطار، فالنساء المصابات بالجفاف سيكافحنَ لإنتاج الحليب الذي يحتجْنَه من أجل إطعام أطفالهنّ وإبقائهم على قيد الحياة. وتنقل «هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة» عن طبيبٍ من خان يونس جنوب القطاع أنّ العديد من النساء أبلغنَ عن صعوباتٍ يواجهنَها أثناء الرضاعة الطبيعية، وأنّ الرضّع الذين لا يستطيعون الرضاعة الطبيعية- بسبب عدم قدرة الأمّ أو وفاتها (أو استشهادها)- ويضطرّون إلى استخدام الحليب الصناعي معرّضون للخطر بشكل خاصّ بسبب الحاجة إلى استخدام المياه النظيفة والآمنة، والتي نادرًا ما تتوفّر في غزّة حاليًّا.
ومع زيادة حدّة الأمن الغذائيّ إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، من المتوقّع أن تكون النساء والفتيات الأكثر تضرّرًا، إذ تميل النساء إلى تقليل تناولهنّ للطعام إلى حدٍّ كبير عندما يكون الوصول إلى الطعام مقيّدًا، وفق الأمم المتّحدة. وعلى الرغم من مأساويّة الواقع المتّصل بالنساء والأمّهات والمرضعات ومقدّمات الرعاية والفتيات في غزة، تمّ توجيه نسبة ضئيلة للغاية، بلغت 0,09% فقط، من التمويل عبر النداء العاجل إلى المنظمات الوطنيّة أو المحليّة لحقوق المرأة في غزّة.
مصدر الصورة: بلال خالد
رفح: نساءٌ وفتياتٌ ينتظرن الموت واليأس
ومع إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي بدء التوغّل البرّي شرق مدينة رفح، جنوب القطاع، ووصول دبّاباته إلى القسم الفلسطيني من معبر رفح، تجد 700 ألف امرأة وفتاة هناك أنفسهنّ من دون مكانٍ آمن.
وتظهر بيانات استطلاعٍ أجرته «هيئة الأمم المتّحدة للمرأة» من رفح ونشرته في 6 أيار/ مايو 2024، تدهور ظروف الصحّة الجسديّة والنفسيّة للنساء والفتيات بشكل كبيرٍ وعمق معاناتهنّ. وقد أعربت 93% من النساء اللواتي شملهنّ الاستطلاع عن شعورهنّ بعدم الأمان، فيما أبلغ أكثرُ من نصف النساء اللّواتي تمّت مقابلتهنّ عن حالاتٍ صحيّة حرجة تتطلّب عناية طبّيّة عاجلة. وحذّرت الهيئة من أنّ أيّ اجتياحٍ برّيّ سيرفع هذه الأرقام.
إلى ذلك، أبلغ أكثرُ من 6 من كلّ 10 نساء من الحوامل الآن أو اللّواتي حملنَ منذ تشرين الأول/ أكتوبر عن حدوث مضاعفات صحيّة بعضُها حرِج. كما أفادت 72% من المرضعات بوجود تحدّياتٍ في الرضاعة الطبيعيّة وتلبية الاحتياجات الغذائيّة للأطفال.
ويعمل الجيش الإسرائيليّ على تهجير المدنيّين من الأحياء الشرقيّة لرفح إلى ما اعتبرتها إسرائيل «منطقةً إنسانيّةً» موسّعةً حديثًا في المواصي غربًا. يأتي هذا بينما تستقبل رفح أكثر من نصف سكّان غزّة بعد تضخّم أعداد ساكنيها بمقدار خمسة أضعاف منذ بدء الحرب.