إعداد: قسم الإعلام والتواصل في «الشبكة العربيّة للطفولة المبكّرة»
5 أيلول/ سبتمبر 2024
منذ 11 شهرًا يعيش أطفال جنوب لبنان وأهاليهم، خصوصًا في المناطق الحدوديّة التي تدور فيها المعارك الفعليّة، وبعض مناطق البقاع والضاحية الجنوبيّة لمدينة بيروت، حالةً صعبةً للغاية جرّاء الحرب المندلعة منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر.
كما هو الحال في قطاع غزّة الذي يشهد إبادة، لا يميّز الجيش الإسرائيليّ في لبنان بين مقاتلٍ ومدنيّ. حتى 23 آب/ أغسطس 2024، أسفرت اعتداءاته عن استشهاد 133 مدنيًّا، بينهم 23 طفلاً و33 امرأةً و3 صحافيّين و21 عاملاً صحّيًّا وإغاثيًّا. كما أدّى العدوان إلى نزوح أكثر من 120 ألفًا، وفق وزارة الصحّة اللبنانية، معظمهم من المناطق الجنوبيّة، وأكثر من 100 وألفين، حتى 8 آب/ أغسطس، وفق أرقام «المنظّمة الدوليّة للهجرة»، في ارتفاعٍ بحوالي 73 ألفًا منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي. ويشكّل الأطفال 35% من هؤلاء النازحين على الأقلّ، بحسب الأمم المتّحدة. ووفق تقديرات «مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة» OCHA حتّى 16 آب/ أغسطس، كان 150 ألف شخص ما زالوا يعيشون داخل الخطّ الأزرق الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلّة، والذي يبلغ طوله 10 كيلومترات.
وبينما انخفض مستوى التوتّر من اندلاع حربٍ شاملة، والذي سيطر على المشهد خلال الشهر الأخير، ما زالت التحذيرات قائمة من احتمال ارتفاع أعداد النازحين مع نزوح لبنانيّين من مناطقَ لم تشهد ضرباتٍ مذكورة خلال الأشهر الماضية. مِن بين المحذّرين «المنظّمة الدوليّة للهجرة» التي أشارت إلى أنّ إسرائيل مسؤولة عن 83% من الضربات على الأراضي اللّبنانيّة من مجموع الضربات بين الجانبَين. ويُعتبر قضاء صور من أكثر المناطق استقبالاً للنازحين جنوبًا. وقد تجاوز عددُهم فيه 26 ألفًا، وفقًا لـ«وحدة إدارة الكوارث في اتّحاد بلديات صور». يفترش عددٌ من هؤلاء مراكزَ الإيواء، من مدارس ومهنيّات، بينما يسكن آخرون في شققٍ مستأجرة أو مع عائلاتٍ مضيفة.
وبحسب وزارة الصحّة اللبنانيّة، وَضعت الأخيرة «خطّة للتعامل مع النزوح، وهي تعمل بالتعاون مع شركائها لتأمين الخدمات الصحّيّة للنازحين، إذ يتمّ تقديم الرعاية الطبيّة عبر عياداتٍ نقّالة، خصوصًا للّذين لجؤوا إلى مراكز الإيواء». وفي ظلّ الخوف الدائم من انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين في مراكز الإيواء المكتظّة، أشارت الوزارة إلى أنّه «تمّ وضع خطّة للترصّد الوبائيّ».
في الأعيان المدنيّة، تغيب الأرقام الدقيقة للأضرار في الجنوب والمناطق التي تعرّضت إلى القصف بسبب عدم قيام الدولة اللّبنانيّة بمسحٍ شامل حتى الآن. ومع ذلك، قدّر «مجلس الجنوب» تعرّضَ حوالي 3 آلاف منزل إلى دمار كلّي أو جزئيّ بفعل القصف الإسرائيلي، حتى 23 آب/ أغسطس. ويتعمّد الجيش الإسرائيليّ إلحاقَ الأضرار بالأراضي الزراعيّة وإحراقها وإفساد مواسم الحصاد، ما أدّى إلى تضرّر حوالي 1700 هكتار، وفق وزارة البيئة اللّبنانيّة. ولتحقيق ذلك، يستخدم الجيش الإسرائيلي قنابل فوسفوريّة حارقة محرَّمة دوليًّا، ويستهدف رجالَ الإطفاء لمنعهم من إخماد النيران. وقد تحقّقت «هيومن رايتس ووتش» من استخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض في جنوب لبنان على نطاقٍ واسع، من بين ذلك ذخائر متفجّرة جوًّا بشكل غير قانونيّ فوق مناطق سكنيّة مأهولة. وحذّرت من أنّ ذلك «يعرّض المدنيّين لخطرٍ جسيم ويُساهم في تهجير المدنيّين». وحتّى 13 آب/ أغسطس، تعرّض 248 شخصًا إلى إصاباتٍ ناتجة عن الفوسفور الأبيض، من بينهم 23 شخصًا تحت سنّ 19 عامًا، وفق وزارة الصحّة اللّبنانيّة، والأعداد إلى ارتفاع.
وبفعل التهجير وإتلاف الأراضي، خسرَ أغلب العائلات التي تسكن المناطق الحدوديّة وتعتاش على الموسم الزراعيّ دخلَها وأرضَها، ما تركها عاجزةً عن تحمّل تكاليف الإيجار أو الطعام.
سمير أيّوب، عمّ لثلاثة أطفال استُشهدوا بقصف إسرائيلي، يضع زهورًا على سيّارتهم المُستهدَفة في قرية عيناثا على الحدود مع فلسطين المحتلّة جنوب لبنان. 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. (أسوشييتد برس)
على المستوى التعليميّ، يواجه أطفالُ الجنوب، القابعون منهم في المناطق الحدوديّة والنازحون، تحدّياتٍ جسيمةً مع تحديد وزير التربية والتعليم العالي 17 أيلول/ سبتمر الحاليّ موعدًا لانطلاق الدراسة في المدارس والثانويات الرسمية. العام الماضي، تابع العديد من التلامذة دراستهم بشقّ الأنفس، بعضُهم عن بُعد (تحت القصف وفي ظلّ انقطاع الكهرباء والانترنت) والبعض تلقّى دروسه في مدارس تستقبل نازحين. في المقابل، حُرم حوالي 20 ألف طفل من الدراسة بسبب إغلاق مدارسهم. كما حُرم آلاف الأطفال الصغار من تلقّي تعليمهم ما قبل المدرسيّ بسبب إغلاق دور الحضانة. هذا العام التحدّياتُ مضاعفة. أعدادُ النازحين ارتفعت، وكذلك أقساطُ المدارس الخاصّة، والعدوانُ مستمرّ. وبينما يعاني القطاع التعليميّ في الأصل من مشاكل جمّة وغيابٍ لخطط طوارئ واضحة، تناقَش حاليًّا سيناريوهات عدّة لكيفيّة انطلاق العام الدراسي الحالي في ظلّ الحرب، من بينها التعليم عن بُعد أو نقل التلامذة إلى مدارس لا تقع في دائرة الخطر، وفق تصريحات مسؤولين في وزارة التربية.
يأتي سوءُ الوضع التعليميّ في ظلّ وضع اقتصادي واجتماعي منهار في لبنان تكشّفت مفاعيلُه منذ سنوات. أثّر هذا الوضع على القطاعات كافّة، وعلى رأسها الأمن الغذائي. في هذا الإطار، ارتفعت نسبة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في لبنان 4% خلال خمسة أشهر فقط؛ من 19% في آذار/ مارس 2024 إلى 23% في آب/ أغسطس من العام نفسه، وفق مكتب OCHA.
ومع كلّ حربٍ وعنفٍ ودمارٍ ونزوح، تأتي الصدمات النفسيّة وحالات الخوف والقلق لدى الأطفال. وأطفالُ الجنوب، من بَقي في أرضه أو نزح، وغيرهُم ممّن يعيشون في مناطق تتعرّض للقصف أو خطر القصف، يعيشون هذه الصدمات. ويتعرّض العديد من الأطفال كذلك إلى التنمّر والعزلة في بعض المجتمعات المضيفة، ممّا يزيد من ضغوطاتهم النفسيّة. وقد أفادت تقارير لمنظّماتٍ معنيّة بحماية الأطفال بأنّ الأطفال النازحين من الجنوب يتحدّثون عن كوابيسهم، وبأنّ الأهل قالوا إنّهم أصبحوا أكثر عدوانيّة نتيجة الضغوطات اليوميّة.
في ظلّ الأوضاع المأساويّة، والاقتصاد المنهار، وحكومة تصريفٍ للأعمال لا تملك الموارد الكافية، يعتمد لبنان، والجنوب تحديدًا، على المنظّمات الخيريّة لدعم النازحين. لكن بينما الحربُ قائمة، التمويلُ الدوليّ إلى انخفاض. في هذا الإطار تنقل صحيفة «الغارديان» البريطانيّة عن مدير أحد مراكز الإيواء في مدينة صور أنّه منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انخفض عددُ الجهات المانحة الرئيسيّة لجهود الإغاثة في المدينة من 51 إلى 5 بسبب طول أمد الحرب وعدم امتلاكها الموارد اللّازمة لدعم مثل هذه العمليّة الطويلة. كما يؤكّد مكتب OCHA حاجةَ «الشركاء الإنسانيّين إلى 110 ملايين دولار للاستجابة المستمرّة لاحتياجات الأشخاص المتضرّرين» من الحرب حتّى نهاية العام الحاليّ.