«لا يمكن للأطفال الانتظار حتّى يناقش العالمُ ما إذا كانت المجاعة بدأت في السودان. إنهم بحاجة ماسّة إلى المساعدة الآن». (كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لـ«اليونيسف». 10 آذار/ مارس 2024)

مع اقتراب الحرب الدائرة في السودان من إتمام عامها الأوّل، تستمرّ أوضاع الأطفال في البلاد بالانحدار

نحو الأسوأ. ومنذ اشتعال الاقتتال، تتكرّر تحذيرات المنظّمات الدولية والإقليمية والمحلّية من الخسائر الكارثيّة في الأرواح ومن المجاعة وسوء التغذية الحادّ والنزوح وتفشّي الأوبئة والأمراض والانتهاكات والانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي، والآثار المهولة لكلّ تلك العوامل على الأطفال بشكل خاصّ.

سوءُ أوضاع أطفال السودان سابقٌ على الاقتتال الحاليّ. في الأصل كان ثلاثة ملايين طفل تحت سنّ الخامسة يعانون من سوء التغذية، بينما كان ثلث السكّان بحاجة إلى مرافق للمياه والصرف الصحّي والنظافة، وكان أكثرُ من ثلاثة ملايين امرأة وطفلة معرّضاتٍ لخطر العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي. ومنذ اندلاع الحرب، تدحرجت الأوضاع وتضاعفت الأرقام بشكل كبير، حتّى أصبحت «الحربُ الضارية في السودان تدفع البلاد نحو المجاعة والخسائر الكارثيّة في الأرواح، خصوصًا بين الأطفال»، وفق تعبير منظمة «اليونيسف» في بيانٍ صادرٍ مطلع شهر آذار/ مارس الحالي.

في الإطار، أعادت المنظمة الدوليّة التأكيد أنّ حوالي أربعة ملايين طفل في السودان يعانون من سوء التغذية الحادّ، بينهم أكثر من 700 ألف يعانون من سوء التغذية الحادّ الوخيم وهم يحتاجون إلى علاجٍ متخصّص ومتواصل لإنقاذ حياتهم. كما حذّرت من أنّ «سوء التغذية الحادّ بين الأطفال الصغار يتفاقم بشكلٍ يتجاوز أسوأ التوقعات»، مشيرةً إلى أنّ «هناك أدلّة على ارتفاع معدّلات وفيات الأطفال المرتبطة بسوء التغذية، خاصّةً بين الأطفال النازحين». وحذّرت «اليونيسف» كذلك من تفاقم وضع سوء التغذية مع بدء موسم الجفاف السنوي خلال الأسابيع المقبلة، ما ينذر بكارثة وخيمة. 

وقدّرت منظمة «أطبّاء بلا حدود»، من جهتها، أنّ «طفلاً واحدًا على الأقلّ يموت كلّ ساعتين في المخيّم، ما يعني أنّ نحو 13 طفلا يفقدون حياتهم كلّ يوم»، موضحةً أنّ الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحادّ يمكن أن يموتوا خلال 3 إلى 6 أسابيع إذا لم يتلقوا العلاج. وأشارت المنظّمة إلى أنّ حوالي ربع الأطفال الذين فُحصوا يعانون من سوء التغذية الحادّ، وأنّ حوالي 40% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستّة أشهر وسنتين يعانون من سوء التغذية.

وبعد نداءاتٍ وتحذيراتٍ سابقة، كرّر «برنامج الأغذية العالميّ» تحذيره من أنّ الحرب في السودان تهدّد بأكبر أزمة جوع في العالم، موضحًا أنّ هناك 25 مليون شخص في جميع أنحاء السودان وجنوب السودان وتشاد محاصرون في دوّامة من تدهور الأمن الغذائي.

كما تطرّق البرنامج إلى صعوبة إيصال المساعدات الغذائيّة الطارئة في السودان بسبب العنف المتواصل. ووفق تقريرٍ مفصّل لـ«اليونيسف»، نُشر في 1 آذار/مارس من العام الحاليّ، يوجد في السودان 14 مليون طفل بحاجة ماسّة إلى المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة، أي طفل من كلّ اثنين. وأشار «برنامج الأغذية العالمي» إلى أنّ 90% من الأشخاص الذين يواجهون مستويات الجوع الشديد في السودان عالقون في مناطق لا يستطيع البرنامج الوصول إليها إلى حدٍّ كبير. وفي السياق، حذّرت «اليونيسف» من أنّ «المجتمعات على حافّة المجاعة لأنّنا (اليونيسف) ممنوعون من الوصول إلى العديد من الأطفال والنساء والعائلات المحتاجة». وأوضحت أنّ «حوالي ثلاثة أرباع الأطفال الذين يحتاجون إلى دعم غذائي عاجل، والبالغ عددهم 3.7 مليون، يعيشون هذا العام في 135 منطقة مصنّفة على أنّها يصعب الوصول إليها، وأنّ أكثر من نصف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحادّ الشديد هم في دارفور والخرطوم وكردفان، والتي تشمل مناطق واسعة حيث يجب تقديم المساعدة عبر خطوط النزاع أو الحدود». ودعت «اليونيسف» أطراف النزاع إلى العمل على «تمكين وصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع ومستدام ومن دون عوائق، وإلى أن تعمل شبكات الاتصالات كما يجب من أجل تحديد وإحالة الأطفال المعرّضين للخطر، وليتمكّن الشركاء في المجال الإنساني من توصيل الاحتياجات العاجلة».

صحّة الأطفال في خطر

على المستوى الصحّي كذلك، أوضاعُ الأطفال الصغار في السودان إلى تدهور. وفق «اليونيسف»، يفتقر 1.7 مليون طفل دون عمر السنة إلى اللّقاحات المهمّة المنقذة للحياة، كما تتفشّى الأمراض المعدية والأوبئة مثل الكوليرا والحصبة والملاريا وحمّى الضنك والإسهال الحادّ. ومع النقص الشديد في الأدوية والمستلزمات الطبية، أدّى انقطاع الكهرباء إلى إتلاف كمية كبيرة من الأدوية. ويؤدّي نقص الأدوية والمعدات واللوازم الطبية وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية إلى تفشّي تلك الأمراض. كما شكّلت الفيضانات المخاطرَ المناخية الأكثر شيوعًا في السودان، ممّا أدّى إلى زيادة العبء على القطاع الصحّي.

وحتّى آب/ أغسطس 2023، كان 83% من مستشفيات الخرطوم قد خرجت عن الخدمة. وقد تعرّضت الولايات في مناطق الحرب، خصوصًا الخرطوم، إلى أضرار شديدة بسبب تدمير المرافق الصحية وسيارات الإسعاف والمستودعات والمخازن الطبية وسلاسل التبريد، ونقص الكهرباء والوقود والمياه، فضلاً عن الهجمات على العاملين في مجال الصحة، بحسب «اليونيسف».

في المحصلّة، لقد خسر القطاع الصحّي حوالي 600 مليار جنيه سوداني (ما يعادل حوالي 900 مليون دولار أميركي)، أي 11% من إجمالي ميزانية الحكومة، وفق تقديرات «اليونيسف».

ما سبق لا يغطّي الصورة كاملةً، فأزمات أطفال السودان متعدّدة الأبعاد حتى بات يصعب حصرها في تقريرٍ واحد. إنّ السودان يعاني من أكبر أزمة نزوحٍ للأطفال في العالم، حيث يُقدَّر أنّ الأطفال يمثّلون نصف النازحين. ومدارسُ السودان مغلقة بالكامل مخلّفةً 19 مليون طفل في سنّ التعليم خارجَها. أمّا وتيرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل في البلاد إلى ارتفاع، فبحسب «اليونيسف» تمّ العام الماضي الإبلاغ عن أكثر من 3130 ادّعاءً مع وجود نقصٍ شديدٍ في التقارير بسبب انقطاع الاتصالات وعدم إمكانية الوصول، ما يعني أنّ الاعتداءات أعلى من ذلك بكثير. كلّ هذا وأكثر يدعو إلى ضرورة العمل الفوريّ لصالح أطفال السودان وتقديم الدعم الكامل لهم بكلّ الوسائل الممكنة، فالأطفال لا يمكنهم الانتظار.