منذ 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024، يستشهد ثلاثة أطفالٍ لبنانيّين يوميًّا بسبب القصف الإسرائيلي
ويُصاب 10 آخرون، وفق منظّمة «اليونيسف».
منذ أكثر من عام، يعيش لبنان حربًا كانت محصورة، إلى حدّ ما، ببقع جغرافيّة محدّدة. لكنّه منذ ما يفوق الشهر، يشهد عدوانًا إسرائيليًّا لا مثيلَ له يستهدف أطفاله وعائلاته ومستشفياته وطواقمه الطبية والإسعافية ودور عبادته، حتّى معالمُه التاريخيّة باتت ضمن دائرة الخطر.
أرقام الشهداء في لبنان أصبحت تناهز 3000 والجرحى 13 ألفًا، وفق وزارة الصحّة اللبنانيّة. أمّا عدد الأطفال الشهداء منهم فيتجاوز 190، والحصيلة تتصاعد يوميًّا بالعشرات نتيجة الغارات الإسرائيليّة المكثّفة التي تشهدها مختلف المناطق اللبنانيّة في تركيزٍ على الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع.
وفي ظلّ الحرب الهمجيّة على لبنان، تعاني البلاد من موجة نزوحٍ مكثّفة بلغت حتى 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي أكثر من مليون و900 ألف نازح مسجّل (أكثر من 44 ألف عائلة) في مراكز الإيواء. وقد سُجّلت النسبة الأعلى للنازحين في محافظة جبل لبنان وبيروت، والمقدَّر أنّ عدد النازحين أعلى بكثير، خصوصًا أنّ هؤلاء هم فقط النازحون المسجّلون لدى الدوائر الرسميّة أو من قِبلها. وحتّى التاريخ نفسه، تمّ افتتاح 1133 مركزًا معتمدًا لاستقبال النازحين، منها 957 مركزًا وصلت إلى الحدّ الأقصى من قدرتها الاستيعابيّة.
إنذارات كاذبة، انتقائيّة ومضلّلة
وصفت «منظّمة العفو الدوليّة» ما يسمّيها جيش الاحتلال «إنذارات إخلاء» للّبنانيّين بـ«المضلّلة وغير الكافية»، مشدّدةً على أن الإنذارات لا تُعفي إسرائيل من التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني بعدم استهداف المدنيين أبدًا، واتخاذ جميع التدابير الممكنة لتقليل الضرر الذي قد يلحق بهم.
إلى جانب القصف الإسرائيلي المكثّف والعشوائي، تأتي موجات نزوح العائلات على وقْع إنذارات الإخلاء الجماعيّة التي يُصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي للسكّان. وقد وَصفت «منظّمة العفو الدوليّة» هذه الإنذارات بـ«المضلّلة وغير الكافية»، مشدّدةً على أنّ «هذه الإنذارات لا تُعفي إسرائيل من التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني بعدم استهداف المدنيين أبدًا، واتخاذ جميع التدابير الممكنة لتقليل الضرر الذي قد يلحق بهم». وأطلقت المنظّمة تساؤلاتٍ تُشاركها فيها منظّماتٌ إنسانيّةٌ وبينها تلك المعنيّة بحماية الأطفال لناحية المُهل القصيرة للإنذارات والوسيلة المتّبعة لذلك وقدرة المعنيّين بالإنذار على الإخلاء. ودائمًا ما يتّبع جيش الاحتلال الأسلوب نفسه لناحية إصدار ما يسمّيه «إنذار إخلاء»، يكون غير دقيق ومضلّل لناحية المكان المستهدَف وقُطر المساحة التي قد يطالها القصف (دائمًا ما تكون 500 متر)، ولناحية توقيت الإنذار (عند منتصف الليل) وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي وقتٍ يكون فيه الكثير من الناس نائمين أو غير متّصلين بالانترنت أو لا يتابعون التقارير الإعلاميّة. والجدير بالذكر أنّ أغلب الضربات التي شنّها جيش الاحتلال في مختلف المناطق اللبنانية لم تصدر فيها إنذارات، حتّى في العاصمة بيروت، مثل الضربة الملاصقة لـ«مستشفى بيروت الحكومي» (مستشفى رفيق الحريري) والتي راح ضحيّتها شهداء وجرحى بينهم أطفال، والأمثلة لا تنتهي. باختصار، الهدف من هذه الإنذارات هو حفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي والاستمرار بسرديّة «الجيش الأكثر أخلاقيّة في العالم» وإرباك السكّان وترويعهم وتضليلهم.
وتثير مسألة أوامر الإخلاء الجماعيّة مخاوف بشأن تكرار سيناريو التهجير الجماعي الذي يشهده قطاع غزّة، وهو ما يحصل بالفعل، إذ أنّ جيش الاحتلال يعمد إلى نشر بيانات تُنذر سكان عشرات القرى
الجنوبية والبقاعيّة وفي الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت لإخلائها. وفي آخر «الأوامر الجماعيّة»، طلب جيش الاحتلال من سكّان مدينة بعلبك البقاعيّة، البالغ عدد سكّانها حوالي 250 ألف نسمة، إخلاءها بالكامل ليبدأ القصف بعد ساعات قليلة، ما أدّى إلى مغادرة أكثر من نصف سكّانها والذين يعيشون ظروفًا مأساويّة للغاية. وفي هذا الإطار، تساءلت «منظّمة العفو» ما إذا كان «المقصود تهيئة الظروف للنزوح الجماعي».
هجوم ممنهَج على الطواقم الإسعافيّة والطبيّة
على المستوى الصحّي، أكّدت «اليونيسف» تعرُّض «الأطفال في لبنان إلى خطر متزايد في ما يتعلّق بقضايا الصحة والحماية - بما في ذلك الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والتهاب الكبد الوبائي والإسهال- إذ يُعرّض القصف المستمرّ في البلاد الخدمات الأساسية التي تعتمد عليها العائلات للتعطيل والضرر بشكل متزايد». وقد تعرّضت عشرات منشآت المياه إلى تضرّر بفعل القصف الإسرائيليّ ما يؤثّر على إمدادات المياه لمئات آلاف الأشخاص. وكانت «منظّمة الصحة العالميّة» أبدت مخاوفها من «انتشار مرض الكوليرا بسرعة كبيرة لأنّ العديد من الذين فرّوا من العنف جنوب البلاد لا يتمتّعون بحماية من الكوليرا»، مضيفةً أنّ المرض «قد ينتشر بسرعة كبيرة لأنّ بعض هذه المجتمعات من الجنوب ومن بيروت لا تتمتّع بالكثير من المناعة ضدّ الكوليرا على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وخطر الانتشار مرتفع للغاية».
وقد سجّل لبنان أوّل إصابة بالكوليرا لسيّدة في شمال البلاد خلال تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024. وفي الإطار، أعلنت وزارة الصحّة محاولة تتبّع المصدر بعد إجراء 267 فحصًا للكوليرا أتت نتيجتها سلبيّة، مضيفًا إطلاق الوزارة حملة للتلقيح ضدّ شلل الأطفال قريبًا.
يأتي ذلك في ظلّ عدوان إسرائيلي مكثّف وموجّه على القطاع الصحّي والطواقم الطبيّة والإسعافيّة ومراكز الإسعاف وسيارات الإسعاف بشكل مباشر في لبنان. أدّى هذا الاعتداء حتى تاريخه إلى استشهاد حوالي 180 شخصًا من القطاع الصحّي وتعرُّض عشرات المستشفيات إلى اعتداء، واستهداف أكثر من 243 سيارة إسعاف، وخروح 8 مستشفيات عن الخدمة بشكل كلّي و7 بشكل جزئي.
وفي الإطار، وثّقت «هيومن رايتس ووتش» حتى 30 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024، «ثلاث هجمات تنطوي على جرائم حرب مفترَضة، قصف خلالها الجيش الإسرائيلي بشكل غير مشروع طواقم ووسائل نقل ومنشآت طبية». وطالبت المنظّمة «حلفاءَ إسرائيل بتعليق نقل الأسلحة إليها نظرًا إلى الخطر الحقيقيّ المتمثّل في استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة». وذكرت «هيومن رايتس ووتش» أنّها «أرسلت كتابًا إلى الجيش الإسرائيليّ في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024 تعرض نتائجَ بحثها (حول الهجمات على الطواقم الإسعافيّة والطبيّة) وتطرح أسئلة. ولم تتلقّ أيّ ردّ». والجدير بالذكر، أنّ إسرائيل غالبًا ما تتجاهل الكتابات الموجّهة إليها.
ندوب نفْسيّة بتوقيع إسرائيليّ
أمّا على المستوى النفسي، فآلاف الأطفال الذين نجوا جسديًّا من أشهر بسبب القصف المستمرّ، يعانون من ضيف نفْسي حادّ.. والحرب في كثير من الأحيان تتسبّب بندوب نفسيّة عميقة.
إنّ آلاف الأطفال في لبنان الذين نجوا جسديًّا من القصف الإسرائيليّ المستمرّ، يعانون من ضيف نفْسي حادّ. تسبّب الحرب في كثير من الأحيان ندوبًا نفسيّةً عميقة.
في الإطار، توضح «اليونيسف» أنّ «الأطفال في جميع أنحاء لبنان يُظهرون علامات مقلقة على الضيق النفسي والسلوكي والجسدي. وقد تحدّثت فرق اليونيسف إلى أطفال عبرّوا عن خوف عميق وقل متزايد، بما في ذلك قلق الانفصال، والخوف من فقدان الأحبّاء، وأظهروا علامات الانطواء، والعدوانية، وصعوبة التركيز. وكثيرون يعانون من اضطرابات في النوم وكوابيس وصداع وفقدان الشهية».