من الصعب حصر الأضرار التي لحقت بالقطاع التعليمي في غزّة لكنّ الإحصائيّات تشير إلى أنّ حوالي 95% من مدارس القطاع تعرّضت إلى أضرار.
لقد حمل العقد الماضي تعقيداتٍ كثيرة بالنسبة لتعليم الأطفال في أغلب دول منطقتنا، فالحروب والنزاعات التي مرّت بها تلك الدول لسنوات أثّرت على السياق التعليمي (أكثر من 13 مليون طفل كانوا خارج المدارس عام 2015 بحسب منظّمة «اليونيسف»). وقد أتى ذلك في منطقةٍ كان فيها هدفُ التعليم الشامل، قبل سنواتٍ قليلة (قبل 2015)، قريبَ المنال.
دولٌ عدّة استعادت بعضَ عافيتها خلال السنوات القليلة الماضية ودفعت بعجلة التعليم مع دعمٍ محلّي وإقليمي ودولي. ومع ذلك، بقي التعليم مسألةً عالقةً في دول عربيّة عدّة لأسبابٍ متنوّعة على رأسها الصراعات والحروب والإبادات والاعتداءات. آخر تحذيرات «اليونيسف» في هذا الإطار تحدّث عن العواقب طويلة الأمد واحتمال حدوث ما وصفته المنظّمة بكارثة «عابرة للأجيال» إذا لم تُتّخذ إجراءات عاجلة في ظلّ الحروب والاضطرابات التي يعيشها عددٌ من البلدان العربية. والخطير كذلك، أنّ نصف الأطفال في المنطقة يعانون من «فقر التعلّم»، ومعناه أنهم لا يستطيعون القراءة أو فهم نصّ مناسب لأعمارهم بحلول سنّ العاشرة، وفق المنظّمة الدوليّة. باختصار، ينطلق العام الدراسيّ (2024- 2025) وملايين الأطفال في البلدان العربيّة خارج المدارس، وكوادرُهم التعليميّة معطّلة عن العمل.
في الأصل، يعاني أطفال قطاع غزّة نتيجةَ الحصار الإسرائيليّ من نقصٍ في الموارد واللّوازم التعليمية، والحدّ من قدرة المعلّمين/ات على المشاركة في الاتفاقيات الدولية والزيارات الدراسية (بسبب عدم منحهم تصريحات للخروج من قِبل الاحتلال) والتعاون مع وزارة التربية والتعليم في الضفة الغربيّة المحتلّة.
ومنذ انطلاق إبادة 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر، اعتمدت إسرائيل سياسة تدميرٍ ممنهجٍ للقطاع التربويّ، كما فعلت في القطاعات كافّة، فزادت من معاناة الأطفال والكوادر التعليميّة بما يصعب شرحه.
وبسبب القيود المتزايدة على الوصول إلى الميدان في جميع أنحاء القطاع والقصف الإسرائيليّ المكثّف وإغلاق الاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة، من الصعب حصر الأضرار التي لحقت بالقطاع التعليمي. لكنّ إحصائيّاتٍ صدرت خلال شهر أيلول/ سبتمبر من العام الحاليّ عن «مجموعة التعليم الدولية» أفادت بأرقامٍ مروّعة أبرزها الآتي:
أمّا في الضفّة الغربيّة المحتلّة، فمنذ ما قبل 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي يعاني الأطفال والكوادر التعليمية من انتهاكاتٍ إسرائيليّة تشمل اعتقال التلامذة وأساتذتهم أو اعتراض طريقهم من المدرسة وإليها. وقد ارتفعت وتيرة هذه الانتهاكات بشكل لافت منذ عام إذ يتمّ استهداف المعلّمين/ات والطلاب بالعنف، وتدمير المرافق التعليمية، كما تتعرّض المدارس ومحيطها إلى عمليات عسكرية إسرائيلية وإلى غارات، ناهيك عن عنف المستوطنين والقيود على الحركة والعوائق البيروقراطيّة.
أمّا لبنان فيتعرّض نظامُه التعليميّ منذ سنوات إلى ضغوط هائلة نتيجة عوامل متراكمة كان آخرُها الحرب الإسرائيليّة ما يعرّض الأطفال إلى خطر التخلّف عن الدراسة أو الانقطاع الكلّي عنها، أو انعدام المساواة في تقديم حقّ التعليم.
حتّى تاريخه، أعلنت الحكومة اللبنانيّة تأجيل بدء العام الدراسيّ لمرّتين. كانت الأولى حتى 11 تشرين الأول/ أكتوبر، والثانية كانت حتى 4 تشرين الثاني/ نوفمبر. ومع توالي بعض القرارات والبيانات الرسميّة المتعلّقة بهذا الملفّ- كانت آخرها خطّة توزيع التلامذة وأفراد الهيئة التعليميّة والمتعاقدين والعاملين على المدارس غير المعتمَدة مراكز إيواء للنّازحين للعام الدراسي 2024/ 2025- ما زال الملفّ بين شدّ وجذب بين القوى التربويّة والسياسيّة لاعتباراتٍ تربويّة وحتّى أمنيّة. كما تلفّه ضبابيّة شديدة حول نجاعة الآليّة التي ستُتّبع: تعليم عن بُعد أم مدمج أم الاثنان معًا؟ كيفيّة تطبيق ذلك؟ كيفيّة التسجيل في المدارس؟ كيفيّة المساواة في حقّ الحصول على التعليم بين التلامذة النازحين وغيرهم؟ كيفية تأمين سلامة الأساتذة/ات في التعليم الحضوريّ؟ ما معايير اعتبار المدرسة واقعة في منطقة آمنة؟ والأهمّ، كيفيّة التعاطي مع دعوات إخلاء بعض المدارس من النازحين ووضعهم في خيم تُشرف عليها المؤسّسات الدولية بينما 60% من المدارس حاليًّا تُستخدم مراكز إيواء، وفق «اليونيسف»؟
حتّى الآن، هناك مبادرات أهليّة واجتماعيّة في بعض مراكز النزوح للاستجابة للتعليم في حالات الطوارئ تفاديًا لضياع عامٍ دراسيّ على الأطفال، لكن حتّى تاريخه، لا تلقّف من قِبل المؤسسات الرسمية لهذا النوع من المبادرات.
باختصار، 1.2 مليون طفل وشابّ وشابّة بحاجة إلى الوصول الفوريّ إلى التعليم الجيّد والشامل، وفق «اليونيسف». هؤلاء هم الضحايا دائمًا. أمّا الملفّ فشديد التعقيد ويغيب عنه التخطيطُ اللازم.
في السودان حوالي 80% من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة. بحسب «اليونيسف»، يوجد حاليًّا أكثر من 19 مليون طفل خارج المدرسة، منهم 12.5 مليون نزحوا حديثًا. «هذه أكبر حالة طوارئ تعليميّة الآن، وسيكون لها تأثير عبر المجتمع السوداني لأجيال قادمة» تقول المنظّمة، معتبرةً هذه الكارثة في نهاية المطاف أزمةَ حماية، ذلك أنّ «التعليم لا يوفّر فقط التعليم الأكاديميّ الذي يتوقّعه الطلاب في الفصل الدراسيّ، بل يوفّر أيضًا بيئة واقية».
وتبرز في هذا الإطار أزمة عابرة للبلدان وهي اعتماد المدارس مراكز للنازحين داخليًّا، ما يعني ضرورة «إيجاد منازل أخرى لهؤلاء الأشخاص (النازحين) حتّى يتمكّن الأطفال من استخدام الفصول الدراسيّة مجدّدًا». كما تحذّر «اليونيسف» من أنه من دون اتّخاذ إجراءات فوريّة، قد تصل خسائر التعلّم والقدرة على الكسب للجيل في السودان إلى 26 مليار دولار سنويًّا.
أمّا اليمن الذي تصف «اليونيسف» نظامَه التعليمي بأنّه منهَك بشدّة، فتتضارب الأرقام بشأن عدد الأطفال خارج ذاك النظام. بينما تشير «اليونيسف» إلى وجود 2.7 مليون طفل خارج النظام، كانت منظّمة «أنقِذوا الأطفال» أشارت في تقريرٍ مفصّل في 25 آذار/ مارس 2024 بعنوان «على المحكّ: سعيُ الأطفال اليمنيّين للتعلّم» إلى وجود 4.5 مليون طفل متسرّبين من التعليم، أي طفلان من كلّ خمسة أطفال، موضحةً أنّ احتمال ترك المدرسة لدى الأطفال النازحين يتضاعف مقارنةً مع أقرانهم.
وبحسب «اليونيسف»، يحتاج 8.6 مليون طفل إلى دعمٍ لمواصلة تعليمهم، مع تعرّض حوالي 2800 مدرسة للتدمير أو التضرّر أو إعادة الاستخدام لأغراضٍ غير تعليميّة. وكان تقرير «أنقِذوا الأطفال» أشار إلى أنّ ثلث الأسر اليمنيّة التي شملها الاستطلاع لديها على الأقلّ طفل واحد ترك المدرسة خلال العامين الماضيين (2022- 2024)، وذلك على الرغم من الهدنة التي تمّ التوصّل إليها بوساطة من الأمم المتّحدة ودخلت حيّز التنفيذ عام 2022.
لقد أثّرت الانقسامات الشديدة التي تشهدها ليبيا منذ سنوات على مسار التعليم، سواءً لناحية جودته أو عديد الأساتذة/ات ونسبة التحاق الأطفال بالمدارس. وقد تطرّقت «اليونيسف» إلى أزمة تراجع الالتحاق بالمدارس هناك، مشيرةً إلى أنّ هذا التراجع أصبح شائعًا بشكلٍ متزايد خاصّةً بين الأطفال النازحين داخليًّا. وفي الأرقام، أشارت المنظّمة الدوليّة إلى وجود أكثر من 175 ألف طفل معرّضون للخطر ويحتاجون إلى الحماية، بينما هناك حوالي 111 ألف طفل على وشك فقدان الوصول إلى التعليم إذا لم يتمّ تقديم المساعدات الإنسانيّة لهم بشكل عاجل.