كان يمكن لاستجابةٍ وتنسيقٍ أفضل من قِبل المجتمع الدولي أن يساهما في تقليل عدد القتلى والمصابين. وهذا يدلّل على أهمّية الاعتماد على المجتمعات المحلّيّة في الأزمات.
في الساعات الأولى من صباح يومٍ مثلجٍ في شباط/ فبراير 2023، ضرب زلزالٌ مَهولٌ في حجمه وشدّته المنطقةَ الحدوديّةَ بين سوريا وتركيا، مخلّفًا دمارًا وخسائرَ على الصُّعد البشريّة والعمرانيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والنفسيّة. في سوريا، التي تقاسي سنواتٍ مديدةً من الصراع، شكّل الزلزال ضربةً أضافت إلى المصاعب القائمة مصاعبَ لمّا تُمحَ آثارها. وكون الأطفال الصغار الشريحةَ الأكثر هشاشةً وتأثّرًا بالحرب السوريّة، واجهوا صعوباتٍ لا تقاس بفعل الزلزال المدمّر. ومع ذلك، اختبرت البلاد خلال الكارثة وبعدها صمودَ شعبٍ مثقلٍ بفعل القصف وظروف التهجير التي لا ترحم وثلات عشرة سنةً من الاعتماد على المساعدات الإنسانيّة الدوليّة.
كان مركز الزلزال بالقرب من مدينة غازي عنتاب التركيّة. يشكّل هذا الحيّز الجغرافيّ محورًا رئيسيًّا لعمليات المساعدات الإنسانية عبر الحدود ومركزًا رئيسيًّا للمنظمات المحليّة السوريّة التي تستجيب لمنطقة شمال غرب سوريا. وبسبب تأثُّر المدينة بشكلٍ يفوق الوصف، وقف العديد من وكالات الأمم المتّحدة والمنظّمات الدوليّة عاجزًا، إذ تمّ إجلاء موظّفي تلك المؤسّسات وشُلّت عمليّات تنسيق الاستجابة.
في أعقاب الكارثة مباشرة، أقرّ مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العامّ للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، بخذلان سكّان شمال غرب سوريا. «لقد خذلنا الناس في شمال غرب سوريا. يحقّ لهم أن يشعروا أنّ الجميع قد تخلّى عنهم وهم ينتظرون المساعدات الأمميّة التي لم تصل». جاء هذا التصريح المتأخّر وعديم المعنى بعد إعلان الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إنهاء عمليات البحث والإنقاذ بعد 108 ساعات فقط من وقوع الزلزال. وقد أفاد حينها بمقتل أكثر من 2166 شخصًا وإصابة ما يزيد عن 2950 آخرين، بينما استمرّت في تركيا، على الطرف الآخر من الحدود، جهودُ الإنقاذ لمدة ثلاثة عشر يومًا بعدها.
بعد انقشاع الغبار، تبيّن أنّ المنظمات المحليّة هي التي وقفت بثباتٍ وسط الفوضى. وقد حرص عاملوها على الاستجابة مع وجودهم في محور الكارثة، فأداروها من الملاجئ والسيارات المركونة في شوارع المدينة المنكوبة. وبينما كافحت الهيئات الدوليّة للإجلاء من المدينة، بقي التزام المنظّمات المحليّة راسخًا في ظلّ الخسائر الشخصيّة والدمار الذي يحوطها.
بعد أكثر من عامٍ ونصف العام، وفي سياق التقييم، كان يمكن لاستجابةٍ وتنسيقٍ أفضل من قِبل المجتمع الدولي بعد وقوع الزلزال أن يساهما في تقليل عدد القتلى الذي تخطّى 4500 والمصابين الذي تجاوز 10 آلاف و400. دلّل هذا الدرس القاسي على أهميّة توطين الاستجابة للأزمات والاعتماد على المجتمعات المحليّة في تصميم هذه الاستجابة وقيادتها. بالإضافة إلى ذلك، أوضحت الكارثة أهميّة الانتقال من مرحلة الاستجابة الإنسانيّة المتمثّلة بالخيمة والسلّة الغذائية، إلى مرحلة التعافي المبكّر التي تركّز على تمكين المجتمعات والنّظُم المحليّة.
لا يمكن معاينة تبعات الزلزال من أضرارٍ واحتياجاتٍ وخطط استجابة وإمكانيّاتٍ متاحةٍ بمعزلٍ عن الوضع العامّ للأطفال في البلاد. إنّ ما ضاعف هولَ المصيبة ونتائجَها سوءُ الأوضاع الشديد التي يعانيها هؤلاء، وتحديدًا في المناطق المتضرّرة.
خلال الثلاث عشرة سنةً الماضية، كان الأطفال أكثرَ فئات المجتمع تضرّرًا من الصراع في سوريا. منذ 2011، قُتل ما لا يقلّ عن ، وفق تقديرات شهر حزيران/ يونيو 2024 (بحسب أرقام منظّمة «اليونيسف» لعام 2023، قُتل وجُرح 13 ألف طفل منذ بداية الصراع).
إلى جانب الموت، تأتي الآثار المباشرة للصراع طويل الأمد على حقوق الأطفال في سوريا وحُسن حالهم، وعلى رأسها الآتي:
مع وقوع الزلزال، تفاقمت هذه المخاطر وازداد تعرّضُ الأطفال لها. تسبّب فقدان المسكن أو ربّ الأسرة بزيادة حالات العمالة الاستغلاليّة والتسرّب المدرسيّ. ولجأ بعضُ العائلات إلى الزواج المبكّر لضمان مستقبل الفتيات فيها أو التخفيف من أعباء معيشتهنّ. لهذه الأسباب وغيرها، كان لا بدّ من تصميم استجابة مخصّصة للأطفال تأخذ بعين الاعتبار تعدّد القطاعات ومركزيّة الحماية في أيّ نشاطٍ يتمّ تنفيذه. وقد شكّل الاعتماد على مكوّنات المجتمع المحلّي شرطًا أساسيًّا لنجاح الاستجابة وضمان استمراريّتها على المديَين المتوسط والبعيد.
شبكة «حُرّاس»، المعنيّة بتقديم الحماية والرعاية لأطفال سوريا، واحدةٌ من المنظّمات المحليّة التي استجابت للكارثة عبر استراتيجيّة ما زالت مستمرّة حتّى اليوم. نستعرض هذه الاستراتيجيّة كدراسة حالةٍ حول استجابة المجتمعات المحليّة للكوارث، وكمثالٍ عن نجاعة توطين الاستجابة للأزمات على الرّغم من محدوديّة الإمكانيّات والعمل ضمن ظروفٍ غاية في الصعوبة.
منذ وقوع الزلزال، قادت استراتيجيّة «حُرّاس» الجهودَ لمعالجة الاحتياجات الفوريّة وطويلة الأمد للأطفال المتضرّرين في شمال غرب سوريا. وقد تمّ ذلك عبر التركيز على ثلاثة محاور رئيسيّة للاستجابة هي: التعليم والدعم النفسي- الاجتماعي وخدمات الحماية الفرديّة.
أولاً: التعليم
وقعت كارثة الزلزال في منتصف العام الدراسيّ، ما أثّر بشكل مباشر على التعليم في شمال غرب سوريا. أدّى الزلزال إلى تدمير واسع للمدارس. تعرّض أكثرُ من 1009 مدارس إلى أضرار متفاوتة الشدّة، من بينها 15 مدرسة تضرّرت بشكل لا يمكن إصلاحه، أي يجب هدمها وإعادة بنائها بالكامل. زاد هذا الوضع من معدّلات التسرّب المدرسيّ، تاركًا آلاف الأطفال من دون مكان آمن يتوجّهون إليه لمواصلة تعليمهم.
أدركت «حُرّاس» أنّ إعادة تأهيل المدارس يجب أن تكون من أولويّات استجابتها للكارثة. إلى جانب توفير التعليم، تلعب المدرسة دورًا هامًّا في إعادة الأطفال إلى روتينهم اليوميّ واستعادة الشعور بالاستقرار والحياة الطبيعيّة. والأهمّ، من وجهة نظر استجابة الحماية، أنّ المدرسة تمثّل بوّابة الوصول الأوسع للأطفال من أجل تقديم الاستجابة اللّازمة بما يمكّن من تحديد الحالات التي تحتاج إلى تدخّلاتٍ فرديّة.
لهذه الأسباب مجتمعةً نفّذت «حُرّاس» مسحًا سريعًا لسلامة المدارس وأمانها، بالتعاون مع مجموعة من المنظّمات والهيئات العاملة في الشمال السوريّ. وقد شملت المجموعة مجمعاتٍ تربويّةً ونقابات المهندسين والمعلّمين.
بالإضافة إلى مسح المدارس، شملت الاستجابة تنفيذ مشروع واسع النطاق لترميم المدارس المتضرّرة وإعادة بنائها. ركّزت الجهود على ثلاثة مستويات من الأضرار: خفيفة ومتوسّطة وشديدة. وقد شملت عمليّات الترميم إصلاح الأضرار البسيطة، من تصدّعات الجدران وإعادة طلاء الفصول الدراسيّة، إلى أعمال إعادة البناء الكامل لأجزاءٍ من المدارس التي تعرّضت إلى أضرار جسيمة. كما تمّ تزويد المدارس بالمعدّات والموادّ التعليميّة الضروريّة لضمان استئناف العمليّة التعليميّة بشكل فعّال وآمن.
بالمجمل، تمكّنت «حُرّاس» من ترميم 108 مدارس، ممّا ساهم بشكل كبير في إعادة آلاف الأطفال إلى مقاعد الدراسة. ولم يكن هذا الجهد مجرّد إعادة بناءٍ للبنية التحتيّة، بل شكّل كذلك خطوةً هامّةً على طريق التعافي النفسي والاجتماعي للأطفال المتضرّرين وأُسرهم.
بالإضافة إلى أعمال الترميم، كان لا بدّ من توفير فرص تعليميّة بديلة للسماح للأطفال بالحفاظ على مستواهم الدراسيّ والالتحاق بالتعليم الرسميّ بعد انتهاء الترميم وسماح الظروف المحيطة بالعودة إلى الروتين اليوميّ. لهذه الأسباب وفّرت «حُرّاس» فرص التعليم غير الرسميّ لنحو 16,800 طفل في المجتمعات المتضرّرة. وقد تحقّق ذلك عبر الدعم المباشر للمعلّمين/ات والموظفين/ات العاملين/ات في القطاع التعليميّ عبر تقديم بدلات ماليّة شهريّة لدعم استمراريّة التعليم على مستوى المجتمعات المحليّة الصغيرة. كما وفّرت «حُرّاس» المستلزمات التعليميّة والقرطاسيّة اللّازمة لتسهيل عملية التعلّم في 115 مدرسة.
وأنشأت «حُرّاس» 20 مساحة تعليميّة مؤقّتة لتوفير بيئة تعليميّة آمنة ومستقرّة للأطفال الذين حُرموا من مدارسهم الأصليّة. في هذا الإطار، تمّ تنظيم دروس تعليميّة وورش عمل تفاعليّة تعزّز من المهارات الحياتيّة والتعليميّة للأطفال، ممّا ساعد في منع المزيد من التسرّب المدرسي. كان هذا النوع من التعليم ضروريًّا لضمان استمرار العمليّة التعليميّة، ومنْح الأطفال فرصةً للعودة إلى شيءٍ من الحياة الطبيعيّة والاستقرار.
من بين الجهود الهامّة لـ«حُرّاس»، توفير الدعم للأطفال ذوي الإعاقة. تمّ تقديم جلسات فرديّة لـ219 طفلاً من ذوي الإعاقات المختلفة عبر «برنامج التعليم الخاصّ». عُقدت هذه الجلسات في مراكز مستقلّة وأخرى أنشئت داخل المدارس، وذلك بناءً على تقييم وخطة مفصّلة لكلّ طفل.
تضمّن «برنامج التعليم الخاصّ» دعمًا شاملاً، بما في ذلك توفير المعلّمين/ات المتخصّصين/ات والمعدّات التعليميّة المخصّصة. كما تمّ تنظيم جلسات توعية وتدريب للأهل والعاملين/ات في المدارس لتعزيز فهمهم ووعيهم بأفضل الطرق لدعم الأطفال ذوي الإعاقة وتعليمهم، خاصةً خلال مرحلة التعافي من آثار الزلزال. كان هذا البرنامج ضروريًّا لضمان شموليّة الدعم وتوفير بيئة تعليميّة ملائمة لجميع الأطفال بغضّ النظر عن احتياجاتهم الخاصة، ممّا يساهم في دمجهم ضمن المجتمع التعليميّ بشكل فعّال ومستدام.
ثانيًا: الحماية
الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفًا وتأثّرًا بالكوارث. انطلاقًا من إدراك «حُرّاس» لهذا الواقع، شكّلت أنشطةُ حماية الأطفال إحدى الأولويّات التي ركّزت عليها في استجابتها. بناءً عليه، نفّذت «حُرّاس» سلسلةً من الإجراءات الشاملة لحمايتهم وتقديم الدعم اللازم لهم على مختلف الأصعدة وبشكل مخصص لكلّ حالةٍ على حدة.
بهدف تلبية الاحتياجات الفرديّة للأطفال والطفلات من مختلف الأعمار، صَمّمت «حُرّاس» سلّات الحماية بعنايةٍ شديدة. وقد تضمّنت تلك ملابسَ لتوفير الدفء والأمان، خاصّةً مع وقوع الزلزال خلال أشهر الشتاء القارصة. وحرصت «حُرّاس» على تضمين تقديماتها موادّ ترفيهيّةً لتعزيز الصحّة النفسيّة من خلال اللّعب وتنفيذ الأنشطة، وكذلك موادّ تعليميّة لتشجيع استمرار التعلّم وتخفيف الشعور بالفقدان والانقطاع عن الدراسة. وضمّت حقائب الفتيات الأكبر عمرًا مستلزمات الصحّة الشخصيّة. بالمحصّلة، وزّعت «حُرّاس» سلّات حماية على 32,700 طفل خلال زيارات الاستجابة التي قامت بها في مخيّمات ومراكز الإيواء المؤقّتة.
قدّمت «حُرّاس» خدمات إدارة الحالة إلى 2,260 طفلاً من خلال نظام شامل يتضمّن التدخّلات الفرديّة لحمايتهم. استندت هذه التدخّلات إلى معايير دقيقة لتحديد الأطفال الأكثر تضرّرًا وضعفًا وتقديم الدعم اللازم لهم. تمّ تصميم برامج المساعدة الفرديّة لتلبية الاحتياجات الخاصّة لكلّ طفل، سواءً كانت جسديّة، نفسيّة، اجتماعيّة، أو تعليميّة. قيّم فريقٌ متخصّصٌ كلَّ حالة لتحديد نوع الدعم المطلوب ودرجته. وقد شمل التقييم تحديدَ احتياجات الطفل وأسرته على مختلف الأصعدة، متل التعليم والدعم النفسي والصحّة وسُبل العيش وغيرها من القطاعات.
تلا مرحلةَ التقييم تصميمُ خطط فرديّة تهدف إلى تحديد أفضل تدخّل ممكن لإزالة عوامل الخطر وتوفير الخدمات المطلوبة. وتَلحق عمليةَ الاستجابة متابعةٌ دوريّةٌ لكلّ حالةٍ بهدف ضمان تحقيق النتائج المرجوّة وتقديم التعديلات اللّازمة بحسب تطوّر حالة الطفل. من خلال هذه الجهود المتكاملة، استطاعت «حُرّاس» توفيرَ بيئة أكثر أمانًا ودعمًا للأطفال المستهدَفين في خدماتها، ممّا ساعدهم بشكل كبير على التعافي من آثار الزلزال والعودة تدريجيًّا إلى حياتهم الطبيعيّة.
ثالثًا: الدعم النفسي- الاجتماعي والصحّة العقليّة
صَمّمت «حُرّاس» برامج الدّعم النفسي- الاجتماعي لمعالجة القضايا النفسيّة التي يعاني منها الأطفال والناجمة عن الكارثة، مثل القلق والخوف والاكتئاب. وقد شملت برامج هذا الدعم مستوياتٍ عدّة بدأت بالأنشطة الترفيهيّة والتربويّة بهدف تعزيز الشعور بالأمان والاستقرار، ومساعدة الأطفال على العودة إلى روتينهم اليوميّ. إلى ذلك، تمّ تقديم برامج دعم نفسي مهيكَلة على جلساتٍ عدّة، ممّا أتاح لـ«حُرّاس» العمل مع الأطفال خلال فترة ممتدّة والتركيز على جوانب معيّنة متعلّقة بالزلزال قد لا تكون مرئيّة على نحو واضح.
بالمجمل، استطاعت «حُرّاس» الوصول إلى 25,500 طفل متضرّر من خلال برامج الدعم النفسي - الاجتماعي المختلفة.
إلى جانب البرامج العامّة للدعم النفسي، قدّمت «حُرّاس» جلسات متخصّصة غير معقّدة للدعم النفسي والصحّي العقلي لـ263 طفلاً وأهاليهم. توجّهت هذه الجلسات إلى الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسيّة أكثر تعقيدًا مثل التبوّل اللّاإرادي والخوف والانطواء والعدوانيّة والضيق الشديد. وقد تضمّنت هذه التدخّلات جلساتٍ علاجيّةً مع عاملي/ات الصحّة النفسيّة، وكذلك إحالاتٍ إلى طبيبِ رأب الفجوة (MH-Gap) لتوفير العلاج المتكامل. شملت التدخّلات أيضًا جلساتٍ للأهل بهدف تعزيز فهمهم لكيفيّة التعامل مع هذه المشكلات وتقديم بيئة داعمة لأطفالهم في المنزل.
عبر هذه الجهود المتكاملة، ساعدت «حُرّاس» على تعافي أطفالٍ من صدماتٍ نفسيّةٍ خلّفها الزلزال، وأعادت لهم الشعور بالأمان والاستقرار، ما ساهم في تعزيز قدرتهم على التكيّف مع الواقع الجديد.
المنظّمات المحليّة: انخفاض التمويل وارتفاع القيود
المنظّمات المحليّة إذًا، ومن بينها المعنيّة بالأطفال، هي التي شكّلت عمودَ الدعم الرئيسيّ بُعيد الزلزال وبعدَه، حتّى في ظلّ تعطّل آليّات التنسيق الدوليّة. وبينما أثبتت تلك المنظّمات قدرتَها على تقديم استجابةٍ فعّالةٍ وسريعةٍ ومرِنةٍ في ظلّ عراقيلَ كبيرةٍ عمليّاتيّةٍ، وشخصيّةٍ مرتبطة بأفرادها الذين عايشوا المحَن، تبقى التحدّيات قائمةً ومتصاعدة. على رأس تلك، التمويلُ المخصّص للاستجابة للأزمة السوريّة والذي يشهد انخفاضًا شديدًا. وعلى الرغم من وجود 16.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانيّة في البلاد، تمّت تغطية ما لا يزيد عن 6٪ فقط من التمويل المطلوب لعام 2024 حتى نهاية شهر أيار/ مايو.
علاوةً على ذلك، تواجه المنظّمات السوريّة تحدّيات إضافيّة تتعلّق بالقيود اللّوجستيّة والبيروقراطيّة والقانونيّة الخاصّة بالعمل عبر الحدود. ويبقى هذا الملفّ أسيرَ التجاذبات السياسيّة بين الدول الفاعلة في الأزمة السوريّة. إلى ذلك، تختلف الاحتياجات في سوريا بين منطقة وأخرى، من الغذاء والمأوى إلى الرعاية الصحيّة والدعم النفسي وغيرها. إنّ هذا التعقيد الشديد الذي تتّسم به الأزمة السوريّة يؤثّر بشكلٍ عام على عدد الخدمات المقدَّمة وجودتها، وهو يتطلّب استجاباتٍ متنوّعةً ومرنةً من قِبل المنظّمات المستجيبة.
ومع استمرار الأزمة، يبقى التمويلُ المستدام والتأهّبُ للكوارث المستقبليّة والتغلّبُ على التحدّيات اللّوجستيّة والأمنيّة من أولويّات العمل الإنساني في سوريا. وباعتقادنا، يجب أن تكون المساعدات مركّزة على الاستجابة المبنيّة على المجتمع لضمان استدامة الجهود الإغاثيّة وتحقيق تأثيرٍ طويل الأمد في حياة المتضرّرين/ات.
ختامًا، ليست القدرة على التكيّف والمرونة التي أظهرتها المجتمعات المحليّة في سوريا حدثًا جديدًا في سياق الاستجابة الإنسانيّة. سبق ذلك ما حصل خلال جائحة كورونا، ما يمكن اعتباره نموذجًا يُحتذى به في الاستجابات المستقبليّة للكوارث حول العالم. إنّ تعزيز هذه القدرات ودعمها يظلّان أمرًا حيويًّا لضمان مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا لجميع الأطفال.