الكاتبة
ماري يونغ
إن الأطفال الذين يولدون فقراء ويعيشون في ظروف غير صحية ولا يتلقون سوى القليل من التحفيز الذهني أو الرعاية ويعانون من سوء التغذية في سنواتهم الأولى هم أكثر عرضة بكثير من أقرانهم الأكثر ثراءً للنمو مصابين بالتقزم الجسدي والعقلي. يميل هؤلاء الأطفال إلى أن يكون أداؤهم سيئًا في الفصل وأن يعيدوا الصفوف وأن يتسربوا من المدرسة بمعدلات عالية. وفي مكان العمل، لا يتمكنون إلا من أداء الوظائف التي لا تتطلب مهارات ويحصلون على أقل الأجور. وعندما ينجبون أطفالاً، تبدأ دورةٌ من الفقر الموروث، وتتكرر عبر الأجيال.
للسنوات القليلة الأولى من حياة الطفل أهميةٌ خاصة. تستمر الأدلة على هذه الأهمية في الظهور مع التقدم النظري الذي تدعمه البيانات التجريبية من تخصصات عديدة (مثل علم الأعصاب والعلوم الاجتماعية والسلوكية والاقتصاد). يقدم جيم هِكمان، الحائز على جائزة نوبل، حجة مقنعة لأهمية السنوات الأولى للأطفال باعتبارها حاسمة في تكوين المهارات والقدرات، وكونها محددات سببية مهمة لنتائج دورة الحياة، طارحًا أنّ تراكم رأس المال البشري هو مسار ديناميكي لدورة الحياة وأن المهارة تولّد مهارات. لكن السياسات الحالية للتعليم والتدريب الوظيفي خاطئة، فهي تميل إلى التركيز على المهارات المعرفية/الذهنية/الإدراكية التي تقاس بالإنجاز في اختبارات الذكاء، وإهمال الأهمية الحاسمة للمهارات الاجتماعية والانضباط الذاتي والتحفيز وغيرها من "المهارات الناعمة" المعروفة بأنها تحدد النجاح في الحياة.
ربما تكون هناك ثلاث أفكار أساسية لفهم تنمية الطفولة المبكرة.
- الدور الجوهري للحياة الأسرية والسنوات الأولى للأطفال في تشكيل قدرات البالغين. تلعب العوامل العائلية في السنوات الأولى دوراً حاسماً في خلق الاختلافات في القدرات الذهنية/الإدراكية وغير الذهنية/الإدراكية. ويخلص هِكمان إلى أن القدرات ليست ثابتة عند الولادة أو يتم تحديدها وراثيا فقط، بل إنها تتأثر سببيا باستثمار الوالدين في أطفالهم، كما يضيف أن "القياس الصحيح للحرمان هو نوعية الوالدية والارتباط والاتساق والإشراف، وليس الدخل بحد ذاته".
- القدرات المتعددة تشكّل قدرة الأفراد على العمل في المجتمع. إن وجود مجموعة أساسية من القدرات (الذهنية وغير الذهنية) يعزز النجاح في جوانب عديدة من الحياة. التدخلات في مرحلة الطفولة المبكرة لها أكبر أثر في تعزيز المهارات الأساسية غير الذهنية.
- يتم تشكيل القدرات بشكل تآزري، حيث تعمل إحدى القدرات على تعزيز أخرى (أي إن القدرات تولّد القدرات). تتفاعل المهارات الإدراكية وغير الإدراكية بشكل ديناميكي لتشكيل تطور القدرات اللاحقة. إن تطوير هذه المهارات لدى الأطفال (مثل الوعي/الضمير والتنظيم الذاتي والتحفيز والتعاون والمثابرة والتفضيل الزمني وبُعد النظر) يعكس الاستثمارات في رأس المال البشري التي يقوم بها الأهل والأطفال.
تُظهر دراسات تكوين المهارات أن عوائد الاستثمار في التعليم تكون أعلى بالنسبة للأشخاص ذوي القدرات الأعلى عندما تتشكّل هذه القدرات في وقت مبكر. ويصور الشكل أدناه هذا التآزر بين الكفاءات، ويشمل الصحة أيضًا.
مهارات اجتماعية عاطفية ---< | مهارات إدراكية |
(الجلوس ساكنا والانتباه والانخراط في التعلم والانفتاح على التجارب) | |
صحة ---< | مهارات إدراكية |
(أيام مدرسية ضائعة أقل، قدرة على التركيز) | |
مهارات إدراكية ---< | إنتاج ممارسات أكثر صحية والمزيد من التحفيز وإدراك أكبر للمكافآت |
(الطفل يفهم محيطه ويتحكم به بشكل أفضل) | |
النتائج | زيادة في الإنتاج، دخل أعلى، صحة أفضل، استثمار عائلي أكثر، تحرك صعودي، تخفيض في التكاليف الاجتماعية |
بالتالي، فإن التنمية البشرية المبكرة تشكّل أداة قوية لتحقيق المساواة، حيث تحقق الاستثمارات في مرحلة الطفولة المبكرة فوائد كبيرة طويلة الأجل تعمل على تضييق الفجوة بين الأسر ذات الدخل المرتفع والمنخفض. إن الاستثمار في الأطفال الصغار المحرومين "يعزز الإنصاف والعدالة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه يعزز الإنتاجية في الاقتصاد وفي المجتمع ككل".
مع ذلك، فإن السياسات الاجتماعية غالبا ما تكون علاجية ومجزّأة، وتركز على مشكلة واحدة فقط في كل مرة. يقول هِكمان: "في كثير من الأحيان، يصمم المسؤولون الحكوميون برامج للأطفال كأنهم يعيشون حياتهم في صوامع، وكأن كل مرحلة من حياة الطفل مستقلة عن الأخرى وغير مرتبطة بما سبقها أو بما هو قادم. لقد حان الوقت الآن لكي ينظر صناع السياسات إلى ما هو أبعد من الصوامع، ولكي يباشروا في الإدراك أنّ الاستثمار المتسق والفعال من حيث التكلفة في الأطفال والشباب يمكن أن يغطي تكاليفه بنفسه." ومن الواضح أن الاستثمار في برامج تنمية الطفولة المبكرة التي يمكن أن تعزز إمكانات الأطفال أكثر إنصافا وفعالية من حيث التكلفة من دفع مبالغ أكبر في وقت لاحق لمحاولة علاج ما كان من الممكن تفاديه. لذلك، علينا أن نبدأ بنهج أكثر شمولاً في السنوات الأولى من الحياة، أي "الإنصاف من البداية".
يجب أن تتلاقى الجهود المبذولة في مجال تنمية الطفولة المبكرة مع المهام الأربع لجدول الأعمال غير المكتمل: إعادة توجيه السياسات الاجتماعية للتركيز على الأطفال الصغار، ودمج تنمية الطفولة المبكرة في نماذج الصحة العامة، وقياس النتائج وربطها بالبرامج والسياسات، ونشر المعلومات المتعلقة بأهمية نمو الدماغ الصحي من صفر إلى ست سنوات.
لا يمكن للأطفال تأجيل نموهم حتى تكون هناك مؤسسات قوية ويتم وضع جميع السياسات الصحيحة. ونحن مدينون لهم ولأنفسنا بأفضل من ذلك.
دكتوراه في الطب والصحة العامة، ومن كبار مستشاري مركز جامعة هارفارد المعني بالطفل النامي، وقائدة مشاركة لمبادرة الطفولة المبكرة لمجموعة العمل العالمية لرأس المال البشري والفرص الاقتصادية، معهد التفكير الاقتصادي الجديد، جامعة شيكاغو، ومن كبار الباحثين في مؤسسة أبحاث التنمية الصينية، وأستاذة مساعدة في طب الأطفال في المركز الطبي في جامعة هاواي.
جرى استخلاص منشور المدونة هذا من ورقة بحثية غير دورية صادرة عن مكتب تقرير التنمية البشرية لعام 2014 بعنوان: معالجة أوجه الضعف والتخفيف من حدتها طوال دورة الحياة.
المصادر
Conti and Heckman 2010. “Understanding the Early Origins of the Education–Health Gradient.” Perspectives on Psychological Science 5 (September): 585–605. DOI: 10.1177/1745691610383502.
Heckman 1999. “Policies to Foster Human Capital.” NBER Working Paper 7,288. New Brunswick, New Jersey: National Bureau of Economic Research. www.nber.org/papers/w7288.
Heckman 2007. “Beyond Pre-K: Rethinking the Conventional Wisdom on Education Intervention.” Education Week 26 (21 March) (28): 40.
Heckman 2008a. “Capability Formation, Early Intervention and Long Term Health.” Outcome Research Workshop. University of Chicago, Chicago, 1 October.
Heckman 2013. “The Economics of Inequality and Human Development.” Keynote presentation at the First National Congress meeting on Building a Legal Framework for Public Policies for Early Childhood, Brasilia, 16 April.
WHO 2008. Commission on Social Determinants of Health. 2008. Closing the Gap in a Generation: Health Equity through Action on the Social Determinants of Health. Geneva.
تشكّل مدوّنة الحوار (HDialogue) منصة للنقاش والمناقشة. وتعكس المنشورات آراء المؤلفين المعنيين بصفتهم الفردية وليس آراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي / مكتب تقرير التنمية البشرية.